كثيرا ما تغير أبسط الأمور مسار حياة البشر. كان القاتل قد أحكم غلق البوابة الأمامية خشية من أي تطفل محتمل. وكان ارتفاع السور يحجب رؤية المارة للحديقة، غير أن هذا الارتفاع الذي صعب أي تطفل جعل أيضا هروب الرجل مستحيلا. لو كان قد ترك البوابة مفتوحة لكان من الممكن أن يهرب دون أن يراه أحد، لكن ما جرى فعلا هو أن الصرخات التي أطلقتها السيدة فوردر أثارت أهل الحي، فاحتشدوا قبل أن يتمكن القاتل من الهرب، وكان في وسط المحتشدين شرطي، فتعذر الهرب. كانت رصاصة واحدة فقط قد أطلقت، لكن ضيق المساحة جعلها تخترق جسد الضحية. لم يلق جون فوردر حتفه، لكنه كان ملقى على العشب مغشيا عليه. حمل إلى داخل المنزل، واستدعي طبيب الأسرة. واستدعى الطبيب متخصصا آخر ليعاونه، وتشاورا معا في الأمر. هدأ الرجلان قليلا من روع الزوجة الذاهلة. لقد كان تطور الحالة غير مؤكد وكان ثمة أمل في التعافي الكامل، لكنه كان أملا ضعيفا.
وفي الوقت ذاته كان القاتل قيد الاحتجاز، وتعلق مصيره على نحو كبير بمصير ضحيته. إذا مات فوردر، فسيرفض إطلاق سراحه بكفالة؛ أما إذا ظهرت عليه بوادر تعاف، فسيحظى مهاجمه بحرية مؤقتة على الأقل. لم يكن أحد في المدينة كلها - باستثناء الزوجة - يتمنى تعافي فوردر أكثر من الرجل الذي أطلق النار عليه.
كان وراء الجريمة تناحر سياسي بائس؛ مجرد صراع على المناصب. كان يرى القاتل، والتر رادنور، أن له الحق في المطالبة بأحد المناصب، وعزا إخفاقه في مسعاه، سواء أكان هذا صحيحا أم لا، إلى دسائس جون فوردر الخفية. وعندما غادر منزله ذلك الصباح لم تكن نيته دون شك قتل خصمه، لكنهما ما إن التقيا حتى تشابكا في معركة كلامية، وكان المسدس جاهزا في جيب بنطاله الخلفي.
كان رادنور يحظى بدعم سياسي قوي؛ لذا لم يتخيل أن يهجر تماما هكذا بعد ذيوع الخبر في المدينة بأنه أسقط ضحيته على أرض الحديقة. لم تكن الحياة مصونة عندما حدثت تلك الواقعة بقدر ما صارت بعدها، وكان الكثير من الرجال الذين يمشون في الطرقات في حرية تامة قد سبق لهم إطلاق النار على ضحاياهم. إلا أن هذه الواقعة انتهكت القواعد المتعارف عليها في الاغتيال. لقد أطلق رادنور النار على رجل أعزل في حديقة منزله الأمامية وعلى مرأى من زوجته تقريبا. ولم يمنح ضحيته فرصة للنجاة. لو كان فوردر يحمل في أي من جيوبه مسدسا ولو كان فارغا من الطلقات، لما بدا وضع رادنور بهذا السوء؛ لأنه في هذه الحالة كان من الممكن أن يدفع أصدقاؤه بأنه أطلق النار دفاعا عن النفس، كما كانوا بلا شك سيدعون أن الرجل المحتضر أبرز سلاحه أولا. لذا أدرك رادنور وهو في سجن المدينة أن تقارير حزبه السياسي هي أيضا لم تكن في صالحه، وأن أهل المدينة كانوا مذعورين مما اعتبروه جريمة ارتكبت بدم بارد.
مع مرور الوقت بدأ بصيص من الأمل يلوح من جديد لرادنور وأصدقائه القليلين. لم يزل فوردر بين الحياة والموت. وبات من المؤكد في نظر الجميع أنه سيموت متأثرا بإصابته، لكن القانون كان يشترط أن يموت الرجل بعد مهاجمته بوقت محدد ليحاكم مهاجمه بتهمة القتل. وشارفت المدة التي حددها القانون على الانقضاء ولم يمت فوردر بعد. كما خدم الوقت رادنور بطريقة أخرى. لقد هدأ السخط الشديد الذي أثارته الجريمة. وقد وقعت أحداث فظيعة أخرى استحوذت على الاهتمام الذي كان منصبا على مأساة فوردر، فمنح ذلك أصدقاء رادنور المزيد من التشجيع.
مرضت السيدة فوردر زوجها بعناية فائقة، وحداها الأمل في تعافيه. كان قد مر أقل من عام على زواجهما، ولم يزد مرور الوقت كلا منهما إلا حبا للآخر. أصبح حبها لزوجها الآن شبيها بالهوس، وخشي الأطباء إخبارها بأن الحالة ميئوس منها تماما؛ فقد توقعوا انهيارها عصبيا وجسديا إذا علمت بالحقيقة. كان كرهها للرجل الذي سبب كل هذا البؤس عميقا وشديدا للغاية، حتى إنها عندما تحدثت ذات مرة مع أخيها، المحامي البارز في المنطقة، رأى في عينيها نظرة الجنون، وتخوف من الأمر بشدة. أصر الأطباء، خوفا من اعتلال صحتها، على أن تمارس المشي كل يوم لبعض الوقت، لكنها رفضت الخروج من البوابة، وظلت تتمشى وحدها ذهابا وإيابا في ممر طويل في الحديقة المهجورة. وذات يوم سمعت من وراء السور محادثة أفزعتها.
سمعت صوتا يقول: «هذا هو المنزل الذي يسكنه فوردر، الذي أطلق والتر رادنور النار عليه. حدثت الجريمة وراء هذا السور مباشرة.»
سأل صوت آخر: «حقا؟» ثم أردف: «أعتقد أن قلق رادنور سيكون بالغا هذا الأسبوع.»
رد الأول: «بالتأكيد، لا شك أن القلق يؤرقه منذ البداية.»
قال الثاني: «هذا صحيح. لكن إذا انقضى هذا الأسبوع وفوردر على قيد الحياة، فسيفلت رادنور من حبل المشنقة. أما إذا مات فوردر هذا الأسبوع، فسيتعقد الأمر بالنسبة إلى قاتله؛ لأن هذه القضية سينظر فيها القاضي برنت في هذه الحالة، وهو معروف في جميع أنحاء الولاية بإصدار أحكام الإعدام. وهو لا يتهاون مع الجرائم المرتكبة بدوافع سياسية، ولا شك أنه سيحكم على رادنور بالإعدام، وأنه سيقنع المحلفين بذلك. أقول لك إن الرجل المحتجز سيكون أسعد من في هذه المدينة صباح الأحد القادم إذا ظل فوردر حيا، وأعتقد أن أصدقاءه مستعدون لدفع الكفالة، وأنه سيطلق سراحه في وقت مبكر من صباح الإثنين.»
Shafi da ba'a sani ba