Komawar Musulmai Bautar Gunki: Gano Matsalar Kafin Gyara
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Nau'ikan
تعالوا أدلكم كيف تمت الخطة وكيف تم تنفيذها للوصول بالمجتمع المصري إلى وضعه الحالي المؤسف، وهنا سنعود إلى التاريخ بلمحة سريعة كاشفة مضيئة للموقف كله بالأدلة القواطع على ما قلنا هنا.
نتذكر سريعا أن بدو الجزيرة كانوا ضمن عناصر الغزو البدوي الهكسوسي الأول لمصر زمن الفراعنة، وهو عصر تسميه الوثائق المصرية وغير المصرية في الحضارات القديمة «العصر المظلم»، لانقطاع مصر فيها عن إبداعها المعروف أدبا وفنا وعلما ومعرفة، حتى يقول إدوارد ماير إن احتلال الهكسوس يبدو في تاريخ مصر كستارة سوداء نزلت فجأة على هذا التاريخ، ومع ارتفاع الستارة بطرد الهكسوس تجد مصر المتحركة المنتجة الفعالة في أقصى نشاطها وإبداعها العلمي والفني والعسكري حتى أقامت أول إمبراطورية لها تمتد حتى الحدود التركية. نتذكر أيضا أن عرب الجزيرة قد عادوا لغزو مصر منذ أربعة عشر قرنا تحت شعار: الإسلام أو الجزية أو القتال وما يترتب عليه من سبي وأسر وهتك أعراض ونهب واستعباد. وبمرور الوقت تحولت الأغلبية المصرية إلى الدين الوافد من الجزيرة وأصبحوا مسلمين. وظلت مصر ولاية تابعة لعاصمة الخلافة الإمبراطورية، يأتيها الحكام من خارجها مندوبين عن الخليفة عربيا أم كرديا أم تركيا، خصيا أم رجلا، حتى انتهى بها الأمر صريعة الزمن المملوكي العثماني في غياهب الجهل والظلام والمرض والتخلف، حتى أيقظتها الآلة العسكرية المتقدمة للحملة الفرنسية ونظامها الإداري والحضاري المتفوق، لتكتشف مصر ما فاتها فتطرد المستعمر الفرنسي وتقيم دولة حديثة قام بتأسيسها شعب مصر بريادة رشيدة من محمد علي (الذي اختاره المصريون) وأخلافه من بعده.
بينما كانت مصر تكتشف نفسها وما حولها زمن محمد علي باللحاق بالحداثة الأوروبية، كانت الجزيرة تكتشف نفسها بالمذهب الوهابي المتحالف مع آل سعود يعطي كل منهما مشروعية الوجود للآخر.
ومن جانبه أراد السلطان العثماني أن يشغل كلا الحركتين في مصر والحجاز، فطلب من محمد علي القضاء على الحركة الوهابية ضد الخلافة، بعد أن وصلت شرورها خارج حدودها لتدمر أينما وجدت أضرحة الأئمة والأولياء خاصة بالعراق وذبحت المسلمين من غير السنة أينما صادفتهم.
أرسلت مصر حملتين بقيادة أولاد محمد علي، الأولى قادها الأمير طوسون وحققت نصرا جزئيا، تبعتها حملة أخرى بقيادة الأمير إبراهيم باشا، لتحقق نصرها باحتلال الدرعية واستباحتها على الطريقة الإسلامية، ولأن العرب يفرقون في تطبيق القانون؛ فإنهم طبقوا الاستباحة على غيرهم في فتوحاتهم وغزواتهم، لكنهم لا يقبلونها لأنفسهم. وبعدها ظل ثأر الدرعية نارا لا تهدأ في القلب الوهابي، وبؤرة وجع مزمن في الدماغ ولوعة في الكبد السعودي، لنصل إلى الزمن الناصري والحرب المصرية السعودية في اليمن، ونقرأ الآن معا نص رسالة الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، والتي حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966م، الموافق 15 رمضان 1386ه، وترد بوثائق مجلس الوزراء السعودي تحت رقم 342، (نقلا عن د. وليد البياتي، ومصدره: حمدان حمدان: عقود من الخيبات، دار بيسان، ص489-491) وهي رسالة ووثيقة أدت إلى تغيير مجرى تاريخ المنطقة والعالم كله بعدها.
يقول جلالته لأخيه الرئيس الأمريكي جونسون: «... مما تقدم يا صاحب الفخامة، ومما عرضناه، تبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعا، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا، فلن يأتي عام 1970م - كما قال الخبير في إدارتكم السيد كيرميت روزفلت - وعرشنا ومصالحنا في الوجود؛ لذلك فإني أبارك ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا أن اقترحوه، وأتقدم بالاقتراحات التالية: أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر، لتضطرها بذلك لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة، لن يرفع بعدها مصري رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر، وبذلك نعطي لأنفسنا مهلة لتصفية أجسام المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب بل وفي البلاد العربية؛ ومن ثم بعدها لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية، اقتداء بالقول: ارحموا شرير قوم ذل.»
إن هذه الرسالة التاريخية تفسر ما حدث بعدها بشهور معدودة خطوة بخطوة وبوضوح مبين، وتوضح مدى وجع الدرعية القديم وأنه ما زال ماثلا أمام جلالته يئن بسببه من مصر محمد علي ومن مصر عبد الناصر، وقد تمت خطوات الرسالة بنجاح نموذجي، فنهر المال قادر على فعل الأعاجيب، فأمكن حينذاك أن تؤكد سوريا لمصر حليفتها في اتفاقية دفاع مشترك، أنها تحت احتمال أكيد باجتياح إسرائيلي لاحتلال سوريا، وهو ما دفع مصر إلى تنفيذ التزامات الاتفاقية فقامت بسحب جيوشها من اليمن لتدخل الحرب إلى جوار سوريا المعرضة للغزو، وقد ثبت بعد ذلك أن دمشق لم تكن الهدف الأكبر إنما كانت مصر، وأنه لم يكن في نية إسرائيل احتلال سوريا إنما احتلال كل ما يمكن احتلاله من المنطقة المحيطة بحدودها؛ وهكذا تحقق هدف جلالته الأول بانسحاب الجيوش المصرية من تحت أنثييه في اليمن، ليتلوه مباشرة الهدف الثاني والأعظم بالهزيمة الساحقة للجيوش العربية في 5 يونيو 1967م بعد أربعة شهور من فقط رسالة جلالته إلى أخيه جونسون، واحتلال إسرائيل كامل سيناء والضفة والجولان.
وتستمر الحرب الضروس حتى أكتوبر 1973م يوم حرب التحرير لتشمر السعودية فجأة - وعلى غير عادتها - عن الإباء العربي وتعلن عن صفاء عروبتها الأصيلة بإيقاف ضخ النفط، في خطوة بدت حينذاك الشهامة والأصالة العربية في أتم معانيها، لكن ليرتفع سعر النفط بحسابات سابقة ومبرمجة إلى مستويات ما حلم بها أحد، وكان الثمن المدفوع هو دماء أبناء مصر.
وهكذا تحققت الخطة السعودية الإسرائيلية الأمريكية وربما السورية، وأخذ جلالته المهلة الطويلة لتصفية المبادئ الهدامة من وطنية وقومية ويسارية واشتراكية وشيوعية، ليس في مملكته فحسب ولكن في مختلف ديار يسكنها المسلمون.
وتحولت مصر بعدها من بلد يفيض بخيره على جيرانه وبالأخص أهل الجزيرة لاستحقاقهم الصدقات عن جدارة شرعية بلا منازع ينازعهم هذا الاستحقاق، إلى استجداء المعونات، وساعتئذ لم يرحموا شرير القوم الذي ذل بتعبير جلالته، إنما قرروا هزيمته الداخلية لسحقه سحقا فلم يعد المصري يذكر نصره الأكتوبري إلا موسميا، وعدا ذلك يعيش حالة الهزيمة التي يعيشها العرب جميعا أمام إسرائيل، وذلك لأن الحرب عند العربي هي دوما صفرية، أي حرب إبادة شاملة لأحد الطرفين، النصر أن ينتهي طرف من الوجود ويبقى المنتصر، حروبه لا تعرف مفاوضات، وبدون إبادة الطرف الآخر لا يكون هناك انتصار.
Shafi da ba'a sani ba