Komawar Musulmai Bautar Gunki: Gano Matsalar Kafin Gyara
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Nau'ikan
ومع اعتقاد المسلمين بصحة هذا المبدأ الباطل، تم إغلاق باب الاجتهاد دون إصدار أي أوامر بإقفاله؛ لأن إغلاقه قد أصبح من مستلزمات الشريعة وخصائصها دون صدور قرار بذلك، بعد أن أصبح غير ممكن تجاوز من وصلوا إلى سقف المعرفة. وبدلا من أن يعتبر المسلمون رجالات مأثورهم بداية لطريق تطوري اجتهادي طويل، اعتبروهم نهاية الطريق، فضرب الشلل كل مراكز التفكير في العقل المسلم. ماذا يمكن أن يقول المسلم لمن يقولون له: قال ابن تيمية، وقال البخاري، وقال عمر بن الخطاب؟ هل سيخطر على بال مسلم أنه مطلوب منه أن يقول شيئا بعد ما قال هؤلاء المقدسون، ناهيك عن مخالفتهم أو إعمال العقل في نقدهم؟ وفق هذا المعنى لا بد أن يصاب اللسان بالخرس، ويموت السؤال، ويضرب الذهان مراكز التفكير، فلا يعود المسلم يميز بين الممكن والمستحيل، فيضرب بإرهابه العالم متصورا أنه سيسود العالم ويقيم دولة الله في أرضه، وهو من بين أشد شعوب هذا العالم ضعفا وجهلا وتخلفا!
وبدلا من أن يعتبر المسلمون أن تدرج التشريع درس لهم ليمدوا طرف الخيط على استقامته فيتدرجون، بل وربما ينسخون كثيرا من التشاريع مع المتغيرات، حتى يبقى حيا فاعلا، فقد اعتقدوا أن هذا التدرج خاصية قرآنية ربانية لها علاقة بتواصل السماء مع الأرض عبر الملاك جبريل إلى نبيه
صلى الله عليه وسلم ، وأن هذه الخاصية قد توقفت بتوقف الوحي بوفاة صاحب الدعوة؛ ومن ثم قرروا الوقوف عند آخر أحكام تطورت إليها نصوص الوحي، وجعلوها أحكاما نهائية، قدسوها وجعلوها حكم السماء الأخير القاطع، الذي لا يجوز تجاوزه على تغير الأحوال واختلاف الأماكن وتبدل الأزمان، هذا بينما «الفقه» نفسه يقوم على أسس نظرية لم يقم هؤلاء العارفون بالمطلق بتفعيلها فيما يبدو عن قصد ونية مبيتة للمسلمين؛ فالفقه الإسلامي «لا ينكر ولا يستنكر تبدل الأحكام وتغيرها بتبدل المكان واختلاف الزمان»، وهو ما استند إليه الإمام الشافعي عندما غير من فتاواه في زمن واحد، ما بين وجوده في العراق ووجوده في مصر. ومن أبرز الأسس النظرية المعيارية المفترض أنها حاكمة، الأساس الذي يجعل «الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما»، ولا تفهم كيف يتم تجاوز هذه الأصول من قبل فقهاء يركزون على ظاهر اللفظ وحرفية النص، ويظلون فقهاء؟ لا تعلم كيف؟ ثم لا تعلم كيف أمكن لهم تضليل المسلمين كل هذا التضليل لمنافع ومكاسب دنيوية بحتة، ومكانة اجتماعية مرموقة، وسلطة سيادية برغبة الرعية، بدليل استكانة المسلمين إلى هذه المفاهيم التي تبدو دينا جديدا غير ما نعرفه عن الإسلام في بكارته الأولى، وعدم احتجاجهم على مشايخهم بل وتقديس هؤلاء الفقهاء، فأي نازلة نزلت بنا أيها الناس؟!
من بين هذه الأسس فلسفات في الإسلام والتشريع سبقت زمنها فتم قبرها لأنها كانت أكثر حرية من ممكنات احتمال الفقهاء الآخرين حينذاك، فلسفات فقهية اعتبرت الإنسان هو غرض الله وغرض الرسالة، وليس الغرض مجرد العبودية لله؛ فالله أكمل من ذلك وأرفع من ذلك وليس بحاجة إلى عبيد ليتأله عليهم ويستعبدهم فيعبدون، وأن الكتب المقدسة جاءت إلينا من أجلنا وليس من أجل السماء، لتيسير معاشنا لا لتعقيده، ولجعل الدنيا أكثر راحة وطمأنينة ويسرا، إسعادا للبشر لا إثارة لكآبتهم وحزنهم رعبا من مكر الله وجهنماته المتنوعة ألوانا وأصنافا من العذاب. فلسفة تعتبر الإيمان نعمة وسعادة لا اختبارا وامتحانا عسيرا ومشقة وعنتا ونقمة متربصة تقف من ورائها فكرة المكر الإلهي، الذي كان يخشاه أعدل الخلفاء «عمر بن الخطاب»، مع الفزع من جهنم وزبانيتها.
نظرة قامت على التفلسف أكثر مما خضعت لشروط الشافعي المستحيلة الواجب توافرها في المجتهد، اعتمدت أكثر علوم الفلسفة جدلا وحرية، علم الكلام، لتقيم عليه نظريتها الفلسفية الفقهية.
من بين هؤلاء الفقيه اللمعة الثاقب «نجم الدين الطوفي الحنبلي»، الذي تجرأ على كسر أهم القواعد الفقهية «لا اجتهاد مع النص» فأباح الاجتهاد حتى مع النصوص الواضحة القاطعة المجمع بين الفقهاء على قطعيتها الثبوتية: النصية والدلالية، استنادا إلى اجتهادات الخليفة عمر مع نصوص قرآنية وحدود تشريعية ربانية قاطعة، بالتعطيل وبالمخالفة وبالإلغاء (كما في إلغائه فريضة متعة الحج وفريضة متعة النساء وفريضة المؤلفة قلوبهم). لاختلاف المصالح بدوران الأزمان؛ ومن ثم قدر الطوفي أن رعاية مصالح الناس تعلو على النص والإجماع وتقدم عليهما، استنادا إلى قول النبي
صلى الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار»، ثم لدينا نجم عظيم آخر من فقهاء اليسر والبهجة الذين أوسعوا من صفحات الاجتهاد نحو مزيد من الحرية هو «الباقلاني»، الذي قلما يعرج عليه رجالات أزهرنا المبارك الشريف، اشترط هذا الرجل للاجتهاد الصحيح التضلع من الفلسفة أو بالذات (علم الكلام)، واعتمد علم المنطق الأرسطي معيارا للاستنتاج الصحيح، ولم ير في ألوف المباحث الفقهية العجيبة المتكاثرة وشروطها الأعجب المتناثرة أي ضرورة، كل ما طلبه للمجتهد هو أن يعرف القواعد العامة لأصول الفقه والمعروفة بالمقاصد الكلية للشريعة وما أيسرها؛ لأنها تتلخص جميعا في جملة واحدة هي: مصلحة العباد.
وما أبكر مثل تلك المحاولات العبقرية التي تم إهالة الإهمال عليها، حتى كادت لا تجد لنفسها مكانا في أحاديث مشايخنا رغم ركوبهم إعلامنا ليل نهار، فهذا الإمام «الجويني» في القرن الثاني عشر الميلادي، يؤكد أن المعرفة بمقاصد الشريعة كافية وحدها كأساس في الاجتهاد، بتنزيلها على واقع الزمان ومستجداته ومشكلاته التي لم تكن معلومة من قبل، والغرض من هذا التنزيل هو مصلحة الناس أولا وأخيرا، وهو كله ما يقوم على مدركات عقلية بالأساس وليست نقلية ولا نصية.
من هنا ساغ للجويني الثاقب اللماع بين الفقهاء و«إمام الحرمين» أن يرنو للمستقبل ليراه وهو يتطور في قفزات هائلة، حتى يأتي زمن على الناس لن يعملوا فيه بأصول الشريعة الإسلامية حتى تصبح الشريعة تاريخا غير فاعل، وربما غير موجودة نتيجة مفارقة الواقع لها؛ لأن الواقع يتغير ويتطور بالضرورة دون أن ينال النص الديني ذات التغير والتطور. ومن هذه الرؤية المستشرفة للمستقبل ينتهي الجويني بجرأة نادرة وبفرادة سبق بها زمنه إلى نتيجة غير مسبوقة، وللأسف غير ملحوقة بين الفقهاء، ينتهي الجويني إلى ضرورة تهيئة العقل المسلم وترويضه حتى يمكنه التعامل مع ذلك الزمن الآتي بمنطق ذلك الزمان الآتي دون منطق الشريعة.
ومنطق ذلك الزمان الآتي لاشك سيقوم على العقل ذاته وهو يمارس وظيفته؛ لذلك يجب تدريب العقل المسلم على قبول الزمن الآتي ليتمكن من الحياة فيه والفعل فيه، وإن غابت نصوص الشريعة، ويكفي المسلم أن يكون عالما بالمقاصد الكلية للشريعة، وهذه المقاصد تحديدا وتدقيقا هي مصلحة البلاد والعباد، وها قد أتى ذلك الزمن الآتي الذي كان يتوقعه عن يقين وترقب إمام الحرمين.
Shafi da ba'a sani ba