Intense Propaganda Against Sheikh Muhammad bin Abdul Wahhab
دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب
Mai Buga Littafi
مكتبة الفرقان
Lambar Fassara
لكهنئو-الهند-١٤٠٠ هـ
Shekarar Bugawa
١٩٨٠م
Nau'ikan
مقدمة
...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، الذي جاء بالدين الوسط المبين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فان قصة هذا الكتاب ترجع إلى مآسي مؤلمة ومهازل مخزية ومبكية سيجد القراء الكرام تفاصيلها في طي الكتاب، إنها كشف لمؤامرة دقيقة نسجت في غاية من اللباقة والمهارة على يد أعداء الدين، أعداء الله ورسوله، ودعايات خبيثة كاذبة نالت كل نصيبها من الذيوع والانتشار، على يد أعداء العقول والأفهام، من سذج من يدعون أنفسهم مسلمين، وأثرت تأثيرها المطلوب في قلوب المخلصين أيضًا فضلا عن غير المخلصين، ضد حركة عملاقة برزت في جزء من أجزاء أرض الدعوة الإسلامية الأولى: نجد، على يد مؤسسها وقائدها
1 / 3
العظيم الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، تهدف إلى الدعوة إلى التوحيد الخالص التقي، والتمسك بما ثبت بالكتاب والسنة، وإفراد الله بالعبودية والعبادة، والعقيدة الابراهيمية الصافية البيضاء، ورفض السلطان الكاذب الذي خلعه الجهال والسفهاء ممن ينتمون إلى الإسلام على الأولياء والصالحين، والحرب على الخرافات والأوهام، والبدع والأباطيل التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا دعا إليها رسوله العظيم، وليس لها قيمة حبة خردل في الميزان، من عبادة القبور، والعكوف على الأضرحة، والتبرك والاستعانة بها، واللجوء إليها، والنذر والذبح لها، وتقديم القرابين إليها، والطواف حولها، والتأدب معها، وما إلى ذلك.. وأول من تولوا كبر هذه الدعايات السوداء هم المستعمرون، وعلى رأسهم الإنجليز، وجعلوا الخرافيين في كل مكان أبواقًا لهم وطبولا، وقد اعتاد الإنجليز أن يطلقوا على كل حركة إصلاحية تسند إلى الكتاب والسنة، وتنبع من أصل التوحيد الخالص، كلمة " الوهابية " وأن يصفوا القائمين عليها بالوهابيين، والمؤسف جدًا أن الكلمة قد اكتنفتها بفعل الدعايات الهائلة أوضاع خاصة ومفاهيم مدلسة - بفتح اللام_ مما جعله " سبابًا " أو كلمة عار يعير بها أولو العقيدة الصحيحة..
1 / 4
وقد تأثر بهذه الدعاية الكاذبة، قطاع عريض من المخلصين المؤمنين، والعلماء الصاحين، الذين لا ترتقي إلهيم شبهة، فقالوا في كتبهم ومولفاتهم – في ضوء معلوماتهم التي ظنوها حقيقة بفعل كثرة التناقل والترداد، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها – في شأن الشيخ النجدي، ودعوته حركته واتباعه مالا يتفق والواقع، ولكن معظمهم تراجعوا عن رأيهم لما علموا أن الصدق والحق في خلاف ما بلغهم، ولكن بعضهم لم تتوفر لهم فرصة الاطلاع على الحقيقة، كما أن الذين تغيروا عن آرائهم الأولى لا تزال تحمل بعض كتاباتهم بعض ما يحتاج إلى البيان والكشف، مما استغله في يومنا هذا بعض الناس في تقليل شأنهم والحط من مكانهم – وبالتالي من الذين ينتمون إليهم في العلم والفكر والمنهج العلمي ولا سيما في شبه القارة الهندية – وفي أعين أتباع الشيخ النجدي في العالم العربي، لإرضاء مطامع وأغراض تافهة، أو تضخيم شخصيتهم، أو رفع قيمة العمل الذي يقومون به في مجال من مجالات الدعوة الاسلامية، فرأوا أن قيمته سوف لا تتأكد في أذهان الناس مالم تترسخ في قلوبهم تفاهة أولئك المخلصين وضآلتهم وخرافيتهم ... وما إلى ذلك من الأغراض الخسيسة التي لا يقبل عليها المؤمن المخلص الذي يخاف مقام ربه وينهى نفسه عن الهوى.
1 / 5
فمست الحاجة إلى إجلاء الغبار عن الحقيقة، ووضع الأمور في نصابها، ليحق الحق وبيطل الباطل، إن الباطل كان زهوقًا ... وسيرى القراء الكرام من خلال دراستهم لهذا البحث القيم، كيف أن الدعاية الكاذبة اللبقة، والمؤامراة الماكرة المبيتة تفعلان فعليهما، وتقلبان الميزان، وتبدلان المقياس، في قلوب الناس، على اختلاف طبقاتهم ومسالكهم ومناهجهم في العمل والعقيدة والحياء ... وقد جربنا ذلك في زمن جمال عبد الناصر، كما رأيناه بالأمس في أيام " بوتو" الرئيس الباكستاني، فأتاه الله من حيث لم يحتسب، إنه لا يفلح الظالمون ...
وقد قام بهذا الواجب العظيم – الذي كان أمانة في أعناق رجال العلم والقلم، ولا سيما في شبه القارة الهندية – فضيلة الشيخ محمد منظور النعماني منشئ مجلة "الفرقان " الشهرية الصادرة من لكنؤ، وأحد علماء الهند الأفذاذ الذين يعتبرون – بحق – من أعلام الفكر الإسلامي الصحيح، فجزاه الله خير ما يجزي عباده الصالحين، وأمتع الإسلام والمسلمين بطول حياته، ودوام صحته.. فجاء بما يقنع العقول، ويشرح الصدور، ويكشف الغمم، ويقضي على الشبهات ... والحمد لله الذي بعونه تتم الصالحات.
٧/ ٢/ ١٤٠٠هـ نور عالم الأمبنى الندوي
٢٧/ ١٢/ ١٩٧٩م دار العلوم ندوة العلماء لكنؤ الهند
1 / 6
ترجمة المؤلف في سطور
فضيلة الشيخ محمد منظور النعماني في طليعة العلماء البارزين، والدعاة المخلصين، والكتاب النابغين الاسلاميين، يحتل مكانة مرموقة بين الشخصيات الاسلامية الممتازة في شبه القارة الهندية، ويسجل اسمه في قائمة العاملين لوجه الله في حقل الدعوة الاسلامية على الصعيد العالمي.
ولد فضيلته عام ١٣٢٣هـ بسنبهل (قرية جامعة في مديرية مرادآباد، في ولاية أتربراديش بالهند) في أسرة دينية عريقة، ونشأ على حب الاطلاع والعكوف على العلم، وكانت بوادر الذكاء تلوح على جبينه منذ نعومة أظفاره، تلقى العلوم الابتدائية في مدرسة عبد الرب بدلهي، ودار العلوم بمؤ، في مديرية أعظم جراه، في ولاية أترا براديش، ثم ارتحل إلى " ديوبند " والتحق بجامعتها العظيمة، وارتوى من منهلها العلمي العذب، واستفاد من الأساتذة النابغين، ومن بينهم الشيخ العلامة محمد أنور شاء الكشميري إمام عصره في الحديث (١) وتخرج فيها عام
_________
(١) هو العلامة المحدث أنور شاه بن معظم شاه الحنفي الكشميري، أحد كبار =
1 / 7
. . . . . . . . . . . . . . .
_________
= فقهاء الحنفية وعظام المحدثين، ولد في " كشمير " في ١٢٩٢هـ، وقرأ المبادئ على والده وعلى آخرين، في كشمير وفي غيرها، ثم التحق مجامعة ديوبند، وتخرج منها بامتياز.
كان من علماء ديوبند الذين يعتبرون – بحق – مفخرة، والذين لو لم تنجب دار العلوم ديوبند غيرهم لكفاها فخرًا، ولكفانا تسجيلا، وأحد نادرة العصر في قوة الحفظ، وسعة الاطلاع على كتب المتقدمين، والتضلع من الفقه والأصول، والتعمق في العلوم العربية الدينية، وعلوم الحكمة، لم تخنه ذاكرته فيما قرأه في ريعان شبابه، كان يسوق العبارات والنصوص كما هي، شغوفًا بالعلم، نهمًا بالدراسة والمطالعة، تواقًا إلى الاطلاع على كل جديد مفيد، دقيق النظر في طبقات الفقهاء والمحدثين، ومراتب كتبهم، عادلا في الحكم لهم أو عليهم، كان يصف شيخ الإسلام ابن تيمية بالبحر الزاخر الذي لا ساحل له، مع انتقاده له في تفرداته، وكذلك كان صنيعه مع الآخرين ...
وكان سمح النفس، شديد الغيرة على الإسلام، وعقيدة أهل السنة، شديد العداء للقاديانية، كثير الرد عليهم، (
1 / 8
١٣٤٥هـ بتفوق وامتياز، وفاق الأقران.
بدأ حياته العلمية بممارسة مهنة التدريس في مدرسة دينية بأمروهه في " مرآداباد " بالهند، غير أن قريحته الوقادة، وعاطفته الدينية الجياشة، وحماسته الدعوية والدينية البالغة، وطبيعته
_________
(رقيق القلب، سريع الدمعة، كثير البكاء ... من مؤلفاته: تعليقات على فتح القدير لابن الهمام، إلى كتاب الحج، وتعليقات على الأشباه والنظائر، وتعليقات على صحيح مسلم، و" عقيدة الإسلام في حياة عيسى ﵇ " و" إكفار الملحدين في ضروريات الدين " و"نيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين " و" مشكلات القرآن ".
وقد جمع بعض تلاميذه إفاداته في درس سنن الترمذي، وسماه " العرف الشذي " في مجلد، كما جمع الشيخ بدر عالم الميرتهي - أحد كبار تلاميذه – تحقيقاه وإفاداته في درس الجامع الصحيح للبخاري باسم " فيض الباري ".
شغل منصب رئاسة مشيخة الحديث في دار العلوم ديوبند، ودرس صحيح البخاري وسنن الترمذي فيها، كما درس في جامعة " دابهيل " بكجرات، ومن قبلهما في المدرسة الأمينية بدهلي.
توفي ﵀ ١٣٥٢هـ
1 / 9
المضطربة المتألمة لأوضاع المسلمين جذبته إلى مجال الدعوة والإصلاح، وكانت التقاليد الخرافية، والأعمال الشركية، والرواسب الفاسدة تنخر المجتمع الإسلامي الهندي، وتقوض الكيان الديني من غير أن يشعر به المسلمون، فكانت القبور والأضرحة عامرة، تقام عليها الأعياد والمهرجانات، فقام فضيلته بالدافع الإيماني القوى بدحض البدع والخرافات شأن الدعاة والمصلحين، وبدأ يؤلف كتبًا ومقالات بلغة سهلة، ويحضر المناظرات الشعبية، وبدأ حربًا شعواء ضد المبتدعين والقبوريين. فحقق في هذا المجال نجاحًا باهراُ، وحظى بانتصارات رائعة، وأعد نحو خمسين مؤلفًا بين صغير وكبير، من أهمها "بوارق الغيب لمن يدعى لغير الله علم الغيب " و" معركة القلم " و"السيف اليماني " وانتقل إلى المدينة " بريلي " وأنشأ هناك مجلة دينية باسم " الفرقان " لنشر العقيدة الصحيحة الصافية ودحض البدع والخرافات.
وقد نالت المجلة قبولا عظيمًا في الأوساط العلمية والدينية، وإلى جانب ذلك كان له نشاط سياسي، فقد ساهم في الحرب ضد الإنجليز وحركة تحرير الهند مسلمة ملموسة من خلال " حركة الخلافة " المعرفة، وغيرها من الحركات، وذلك لاستعادة مجد المسلمين.
1 / 10
ولم تقتصر جهود فضيلة الشيخ محمد منظور النعماني على مقاومة المبتدعين الخرافيين، بل إنه قام بدور ملموس في مواجهة القاديانية إيضًا، وألف عديدًا من الكتب والرسائل تفنيد مزاعم غلام أحمد وأنصاره، وكان لتلك المكتب تأثير بالغ، وخاصة في الطبقة المثقفة لأنها تخاطب الضمير وتقنع العقل بالدلائل الناصعة.
ومن بن الحركات التي كانت تستهدف العقيدة الإسلامية الصافية حركة "خاكسار" المعروفة، تمتاز هذه الحركة بكثرة أنصارها ومؤيديها وشدة نفوذها ونجاحها في إغواء المسلمين، وقد صمد الشيخ محمد منظور النعماني في وجه هذه الحركة الخطرة، وألف كتابًا يعتبر أحسن كتاب حول هذا الموضوع، ويمتاز بغزارة مادته وقوة إقناعة.
بعد هذه التجارب العظيمة والجهود المخلصة في حقل الدعوة الاسلامية غير فضيلة اتجاهه حينما أحس يحاجة ماسة إلى العمل الإيجابي الجاد ونظر إلى الزحف الفكري الأوربي فعكف على التأليف والتصنيف لشرح المبادئ الإسلامية بلغة سهلة بسيطة وأسلوب جميل تمده روعة أدبية وتأثير عجيب في النفوس، وهو لا يزال يركز العمل، ويخلص السعي لترسيخ الإيمان، وتوطيد صلة المسلمين بدينهم وتدعيم ثقتهم بعقيدتهم.
1 / 11
وقد نالت مؤلفاته قبولا وإعجابًا في سائر الأوساط العلمية والدينية، ونقلت إلى لغات عديدة، عالمية ومحلية ونفع الله بها كثيرًا، ولعديد من كتبه ظهرت طبعات عديدة.
ولأسلوبه روعة وجمال، في سهولة عجيبة لا تعرف لغيره من الكتاب الإسلاميين المعاصرين ولاسيما في شبه القارة الهندية.
ويحلولي بالمناسبة الإشارة إلى بعض أهم مؤلفاته:
١- ما هو الإسلام؟
٢- الإسلام عقيدة وحياة.
٣- القرآن يتحدث إليكم (١) .
٤- معارف الحديث في ٧ أجزاء.
٥- الصلاة وروحها.
٦- كلمة التوحيد وحقيقتها.
٧- بركات شهر رمضان المبارك.
٨- التعريف بطريقة الحج.
_________
(١) وقد نقله إلى اللغة العربية الأستاذ سعيد الأعظمي الندوي، أستاذ الأدب العربي في دار العلوم ندوة العلماء، ورئيس تحرير مجلة "البعث الإسلامي" العربية.
1 / 12
١- الشيخ أحمد السرهندي، حياته ومآثرة الصلاحية.
٢- السيد إسماعيل الشهيد والدعاية المكثفة ضده.
٣- من أقوال الشيخ محمد إلياس ﵀.
٤- لماذا نكفر القاديانيين؟
٥- القول الصحيح في نزول النبي المسيح.
٦- الطريقة السليمة لدراسة القاديانية والحكم عليها.
٧- حدود الكفر والاسلام.. والقادنية.
٨- ألفية الحديث (مجموعة ألف حديث في الفضائل والمسائل) اختارها من مجاميع الحديث الشريف.
٩- بوارق الغيب لمن يدعى لغير الله علم الغيب.
١٠- مناقشة حاسمة مع المبتدعين.
١١- السيف اليماني على فرقة "رضاخاني".
١٢- حركة "خاكسار" في ضوء الكتاب والسنة.
وللشيخ مساهمة فعالة في النشاطات الاجتماعية والاصلاحية والعلمية في داخل البلاد وخارجها، فهو عضو للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والمجلس الاستشاري لدار العلوم ديوبند، والمجلس الأعلى لدار العلوم التابعة لندوة العلماء، والمجمع الإسلامي العلمي بندة العلماء، ومجلس الأحوال الشخصية لعموم الهند،
1 / 13
وهيئة التعليم الديني، إضافة على نشاطاته مع "حركة الدعوة والتبليغ" التي هو من كبار أنصارها والعاملين فيها منذ زمن مؤسسها الشيخ محمد إلياس ﵀.
وقد بلغ من عمره ٧٥ عامًا مع ذلك يتمتع بحيوية فائقة ونشاط دائب، نسأل الله سبحانه أن يبارك في جهوده وينفع المسلمين بعلمه وإخلاصه ويمتعهم بطول بقائه.
1 / 14
تمهيد
...
بين يدي الكتاب
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى!
أسطورة عجيبة عن الوهابيين: أما بعد فإن كاتب هذه السطور قد ولد أواخر ١٣٢٣هـ- ١٩٠٥م، ومنذ أن جعلت أعي وأعقل، لاحظت في البيئة التي كنت أعيش فيها – ولا سيما في خؤولتي – أن الناس يذكرون "الوهابيين" بأسوء ما يكون من الكلمات، ويتناولونهم بأبشع الصفات، فكنت أفهم من كلامهم أن "الوهابيين" أقبح خلق الله سيرة وسلوكًا، ولا يحبون النبي (ولا عباد الله الصالحين وأولياءه المتقين، بل يسيئون معهم الأدب، ولا يتحرجون من ممارسة الوقاحة وسوء الاحترام وانتقاص شأنهم.
وقد سمعت وقتئذ أكذوبة عجيبة: أن رجلا يحمل اسم "عبد الوهاب" النجدي – كان يتزعم الطائفة الوهابية – كان قد بلغ من عداوته للنبي (إلى أن ورد المدينة المنورة يتظاهر بالصلاح والتقوى، ويتنكر بالنساك والزاهدين في الدنيا، والراغبين عنها إلى العبادة، وسكن بيتًا على الكراء من أجل أن
1 / 15
يتخذ في داخل الأرض سربًا من بيته إلى روضة النبي الكريم (حتى يتمكن من العبث بالجثة المطهرة - نعوذ بالله من ذلك - إلا أنه لم يستطع تحقيق أمنيته حيث تراءى النبي (في المنام للملك الذي كان يحكم الحجاز حينذاك وقال له – في المنام -: إن رجلا من نجد خبيثًا رقيعًا يتخذ النفق في الأرض من أجل الغرض الخبيث، فبحث الملك عن الرجل- عبد الوهاب النجدي – (١) وقبض عليه فعلا، فضرب عنقه.
ولا أزال أذكر أن الناس كانوا يتناقلون هذه الأكذوبة كحقيقة تاريخية معلومة مقررة، ولذلك فلم أشك فيها قط ... لأني لم أجد أحدًا يرفضها أو يشك فيها.
البيئة التي عشت فيها: على كل فهذا ما كنت أعرفه حينذاك عن "الوهابيين" وعن "وعبد الوهاب النجدي" بالذات، وكان مصدر هذه المعرفة هو بيئتي التي كنت أتنفس فيها، والمجتمع الذي كنت أعيش فيه، واذكر أني كنت – من أجل ذلك كله – مسئ الظن بـ"الوهابيين" وكنت عندئذ في السابعة أو الثامنة من عمري.
_________
(١) ويلاحظ هنا أن عامة الناس ما كانوا يفرقون بين الشيخ عبد الوهاب وبين ابنه محمد المعروف بالشيخ محمد عبد الوهاب
1 / 16
وتخرجت في الكتاب، ودخلت في مدرسة إسلامية في مدينتي، كان مدرسوها من خريجي دار العلوم ديوبند، وكان الناس يدعونهم "وهابيين"..غير أني ما رأيت في هؤلاء المدرسين شيئًا من الأوصاف الخسيسة أو التهم الشنيعة التي كان القوم يوجهها إليهم، بل رأيتهم يؤكدون على طاعة الله ورسوله، وعلى امتثال الشريعة الاسلامية وتطبيقها على الحياة والمجتمع، وبجانب ذلك كانوا يرفضون- بكل شدة – عبادة القبور والأولياء، واتخاذ الأضرحة، والأعياد والمهرجانات التي يقيمها المبتدعة على القبور والأضرحة، وما إلى ذلك من البدع والخرافات، وإني أحمد الله على أن عشرتي فيهم وجلوسي إليهم، ودراستي لحياتهم، واطلاعي على أحوالهم، كل ذلك أكد لي أن ما اشتهر في الناس عنهم من صفات السوء والنذالة، شئ لاي قوم على أساس، لكني لا أذكر أني سمع من أساتذتي هؤلاء شيئًا ما عن عبد الوهاب النجدي أو محمد بن عبد الوهاب النجدي.
ثم أرسلت – خارج مدينتي – إلى "دار العلوم" بمئو، بمديرية أعظم جراه، حيث سعدت بالتلمذة على سيدي الأستاذ الشيخ المربي، مولانا كريم بخش (١) السنبلي ﵀،
_________
(١) أستاذنا العلامة الشيخ كريم بخش السنبهلي من تلامذة (
1 / 17
ولازمته فترة طويلة من الزمان، وكان الرجل من كبار العلماء الراسخين في العلم والحاذقين في التدريس وقوة التفهيم والاقناع، من تلامذة العلامة الشيخ محمود حسن الديوبندي المعروف بـ"شيخ الهند" (١) وكان شديد الغيرة فيما يتصل بالشرك والتوحيد، والسنة
_________
(الشيخ الامام محمود حسن الملقب بـ"شيخ الهند" كان يعد من المدرسين البارعين في عصره، تلمذ عليه الشيخ المحدث المرحوم فخر الدين أحمد رئيس هيئة التدريس بدار العلوم ديوبند سابقًا والشيخ العلامة حبيب الرحمن الأعظمي حفظه الله الذي تلذت عليه حينما كنت أتعلم في دار العلوم بمئو، توفي ﵀ عام ١٣٦٢هـ.
(راجع تاريخ دارالعلوم ديوبند ج ٢، ٨٥، ٨٦)
(١) الشيخ محمود حسن الديوبندي الملقب بـ"شيخ الهند" كان إلى جانب زهده وورعه، ومكانته العلمية، بطلا مكافحًا يضطرم غيظًا على الانجليز وهو صاحب الخطة المعروفة بخطة الرسائل الحريرية، ظل مدة طويلة على منصب رئاسة التدريس في دار العلوم ديوبند، أسر لنشاطه السياسي، وظل نحو أربعة أعوام في جزيرة مالطة، يذوق مرائر الحبس والاعتقال، له مؤلفات عديدة، من أهمها "إيضاح الأدلة" وترجمة معاني القرآن (
1 / 18
والبدعة كالعلامة الشيخ محمد إسماعيل بن عبد الغني (١) الدهلوي
_________
(الكريم، و"جهد المقل" توفي عام ١٣٣٩هـ.
(نزهة الخواطر ج ٨ ص ٤٦٥ – ٤٦٩)
(١) هو الشيخ العالم الكبير المجاهد والشهيد في سبيل الله، إسماعيل بن عبد الغني بن شيخ الإسلام وحكيمه ولي الله ابن عبد الرحيم العمري الدهلوي، كان (كما يصفه العلامة عبد الحي الحسني ﵀ في كتابه "نزهة الخواطر" في الجزء السابع) أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة، والشهامة، وقوة النفس، والصلابة في الدين، ولد في ١٢/ من ربيع الثاني ١١٩٣هـ بدهلي، أخذ العلوم عن أعمامه: الشيخ عبد القادر، والشيخ رفيع الدين، والشيخ عبد العزيز، أبناء حكيم الاسلام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي، فصار بحرًا زاخرًا في المعقول والمقول، ثم لازم الامام أحمد بن عرفان الشهيد البريلوي وتخرج عليه في الاحسان والتربية، وسافر معه للحج والزيارة، وذلك عام ١٢٣٧هـ، ثم سافر معه إلى الحدود عام ١٢٤١هـ فجاهد معه في سبيل الله، وكان الوزير للامام، حتى استشهد في سبيل الله، وكان كالوزير للإمام، حتى استشهد في وادي "بالاكوت" في ١٢٤٦هـ، من مصنفاته "منصب الامامة" بالفارسية في تحقيق منصب النبوة والامامة وهو
1 / 19
الشهيد في سبيل الله (١٢٤٦هـ) والشيخ الكبير العلامة المحدث رشيد أحمد الكنكوهي (١) .
_________
= كتاب لا يزال فريدًا في موضوعه في المكتبة الإسلامية وكتاب "تقوية الإيمان" بالأردية، والذي نقله إلى العربية سماحة الشيخ أبي الحسن على الحسني الندوي باسم "رسالة التوحيد" في ١٣٩٤هـ. وقد نفدت منه طبعتان، والكتاب في رد الشرك، وتنقيح العقيدة الإسلامية.
(١) العلامة الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي أحد أعلام الأمة وأئمتها في الفقه والتصوف، واسع الإطلاع في كافة العلوم الاسلامية، كان فقيها بارعًا ومحدثًا نابغًا وعالمًا ربانيًا، شديد الرفض للبدع والتقاليد الخرافية، كان زميل الإمام محمد قاسم النانوتوي في الدرس، شهد معه معركة "شاملي" ضد الانجليز ولم يزل مشتغلا بالدرس والإفادة، توفي إلى رحمة الله عام ١٣٢٣هـ، كان يشرف على جامعة، "ديوبند" منذ أن توفي الإمام محمد قاسم النانوتوي، جمع الشيخ محمد يحيى الكانهلوي أماليه في الدرس وطبع منها "لامع الدراري" و"الكواكب الدري" بتعليق وتحقيق الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي (
1 / 20
أول شخص ينوه بجهود الشيخ النجدي وكتابه: وهو أول رجل – فيما أذكر – وجدته يبدى آراء تنم عن الإعجاب بالشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي وبكتابه "كتاب التوحيد" ولعله هو الذي دلني على أن الشخص الذي قام بالدور الفعال المثالي في الدعوة إلى التوحيد وإنقاذ الشعب المسلم من البدع والخرافات، والذي جاهد جهادًا كبيرًا ضد عبادة القبور وغيرها مما يمت بصلة ما إلى الشرك، هو "محمد بن عبد الوهاب" (١) .
_________
(نزيل المدينة المنورة وله مؤلفات أخرى عديدة، من أهمها مجموعة فناواه في مجلدات.
راجع نزهة الخواطر ج٨ ص ١٤٨ – ١٥٢
وتذكرة الرشيد
(١) محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب، ولد ونشأ في عيينة، كان أبوه قاضيًا في حريملا، قام بالدعوة إلى التوحيد الخالص. وانتهج منهج السلف الصالح ودعا إلى نبذ البدع والتقاليد الخرافية، قبل دعوته محمد بن سعود، وآزره من بعده ابنه عبد العزيز ثم سعود بن عبد العبد العزيز، كان دعوته الشعاعة الأولى لليقظة الحديثة، كانت وفاته في الدرعية عام ١٢٠٦هـ، من مؤلفاته "كتاب التوحيد" و"كشف الشبهات" و"فضل الإسلام" =
1 / 21
وليس "عبد الوهاب" كما يظنه الناس عندنا من سوء الفهم ومن الجهل.
وكان ينوه بكتاب التوحيد ويثني عليه كثيرًا، وبأسلوب كان يدل على أنه باشر قراءته.. وما سمعت أحدًا غيره من أساتذتي شيئًا عن الكتاب مما يجعلني أعتقد أنهم لم يطالعوه، ولا غرو، فإنه ربما يمكن أن يكون هؤلاء العلماء قد تأثروا بتلك الدعاية الشنيعة التي قام بها أولئك الذين كانوا يعاندون الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي ﵀ فكريًا وسياسيًا، عبر العالم الإسلامي.. لكن ما سمعته من أستاذي الشيخ كريم بخش من الثناء العاطر على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتابه "كتاب التوحيد"
_________
= و"كتاب الكبائر" وألف في سيرته أحمد عبد الغفور العطار، (راجع لترجمته تاريخ نجد الحديث ص ٢١، وآداب اللغة ج٣ ص ٣٢١، والاعلام ج٧ ص ١٣٧- ١٣٨) .
وأما أبوه عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن مشرف التميمي النجدي فهو فقيه حنبلي من أهل عينة بنجد، ولي قضائها، وانتقل منها إلى حريملاء، له كتابات في بعض المسائل الفقهية، توفي عام ١١٥٣هـ.
راجع عنوان المجد ص ٦-٨ والاعلام ج٤/٣٢٣.
1 / 22