ونحن الذي نعيش في أنوار المدن التي تتلألأ بالمصابيح الكهربائية لا تكاد تحس أخطار الظلام ومخاوفه التي يحسها الفلاح في الريف، والتي تزداد ألف ضعف في الغابة، ومن هنا قيمة الرؤية السديدة بعيني الوجه.
والإقامة على الشجر تستدعي اليقظة في الليل كثيرا، ويبدو أننا أسرفنا في هذه الإقامة حتى صار السعي في الليل دون النهار عادتنا، فكان هذا التخصص في النظر، في حين أن سائر الحيوانات، أسلاف الكلاب والقطط والفيلة والبقر، تركت الشجر قبل أن تتخصص، فبقيت عيونها جانبية؛ أي: بقي كل منها «أعور» ينظر بعين واحدة كما كانت تفعل الزواحف الكبرى، أما نحن فلم نترك الشجر إلا بعد أن تخصصنا، ومع ذلك لم يترك الشجر تماما غيرنا نحن البشر، أما سائر الأربعة فلم تتركها تماما إلى الآن، حتى الغوريلا لا تزال تسمح لأولادها بالتسلق والنوم على الغصون في الليل.
وهناك ما يرجح أن جميع اللبونات «التي ترضع أطفالها» نشأت أولا على الشجر، وكانت صغيرة الأحجام تتحملها الغصون في تنقلها ووثبها، ولم يكن مفر من هذا؛ لأن الزواحف الكبرى، التي كان العالم موبوءا بها في كل مكان، كانت تحول دون ظهور اللبونات على الأرض، ولا تزال الأحافير القديمة التي ينتمي إليها الفيل والفرس صغيرة الحجم، فالفيل القديم، وقد وجد في الفيوم، لا يزيد على حجم الحمار، والفرس القديم، وقد وجد في أمريكا، لا يزيد على حجم الفأر؛ أي: أن اللبونات الضخمة كانت في الأصل صغيرة؛ لأنها كانت تعيش على الشجر، ولكنها لم تبق مثلنا المدة الكافية؛ لأن تجمع عينيها في وجوهها ولأن تتخصص أيديها للتناول.
نحن خمسة في هذا العالم ... الإنسان، والغوريلا، والشمبنزي، والأورانج أوتان، والجيبون ... وهؤلاء صعاليك من أبناء عمومتنا. «الغوريلا» أكبر القردة العليا جسما وأقواها ... يعيش قطيعها فيما يشبه النظام العائلي ... يعرف الانتقام، والاحترام، والوقار. «الشمبنزي» الذي يعيش على أشجار إفريقيا ... ماهر ... مفراح ... لعوب ... فيه كثير من الذكاء، وشيء من الخبث.
الأورانج أوتان الذي يعيش على أشجار جزيرتي سومطرة، وبورنيو ... يعني الاسم في لغة أهل بورنبو «إنسان الغابات» ... وهم يعتقدون أنه يمكنه أن يتكلم، ولكنه يتعمد الصمت خشية أن يستخدمه الإنسان ويسترقه. «الجيبون» هو أبعد القردة العليا عن الإنسان، وأصغرها جسما وأطولها ذراعين ... ليس في يديه من الإبهام سوى العجز ... وليس له ذنب ...
انفعالات إنسانية مختلفة على وجه غير إنساني ...
انفعالات إنسانية مختلفة على وجه غير إنساني ...
انفعالات إنسانية مختلفة على وجه غير إنساني ...
انفعالات إنسانية مختلفة على وجه غير إنساني..
هيكل عظمي لطائر، وهيكل عظمي لإنسان ... نشر الاثنين عالم فرنسي يدعى «بيلون» سنة 1555؛ أي: قبل 400 سنة، وقبل كتاب «داروين» أصل الأنواع بأكثر من 300 سنة ... لولا المنقار البارز لأنكرنا أي اختلاف.
Shafi da ba'a sani ba