Dan Adam a cikin Alkur'ani
الإنسان في القرآن
Nau'ikan
وبعد، فأي ظفر يتاح لنا لو أمكن البنية أن تتلقى التعليم من البيئة، وأن نجعل هذه البيئة قادرة على أن تعلمها ولم يكن قصارى قدرتها أن تنبه ما فيها؟ ربما قال لنا زائر قدم إلى هذا الكون من كون غريب عنه قبل بضعة ملايين من السنين: نعم، إنه لظفر عظيم، وإنني لألمح سره، وأفهم أن هذا السر يحل مسألة التوفيق والموافقة بين الحي والبيئة، ويجعل الكائنات الحية مهيأة للنمو والتطور على صورة أوفى وأسرع من صورة التطور بفعل الانتخاب الطبيعي، لولا أنها صعبة جدا، وأنها ليست مما يستطاع.
إلا أنكم تعلمون أنها استطيعت، وأن هنالك جهازا قابلا لأن يتلقى التعليمات من الخارج، وهو جهاز الدماغ.
وإننا لنعلم القليل من أسرار هذه المسألة، وهو ما نفهم منه مقدار تعقدها واشتباك وظائفها؛ فإن تطور الدماغ قد كان آية رائعة في هذا الوجود، وهو - ولا ريب - أعظم الآيات بعد آية الحياة نفسها.
على أنني أظن أن الدماغ إنما نشأ في مبدأ أمره كذريعة للتنبيه، وأن السلوك الغريزي إنما هو ذلك السلوك الذي تستجيب به البنية لتنبيه المؤثرات الخارجية، فإذا لقحت دجاجة بهرمونات الذكر أخذت هذه الدجاجة في سلوك - كسلوك الديك - لم يكن أصله بعيدا من تكوينها.
ولكن وظائف الدماغ العليا تستجيب للمؤثرات التعليمية، فنحن نتعلم، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يسري من جيل إلى جيل كما تسري الخطابات المتسلسلة التي تبدأ بكتابة خطاب إلى أحد الناس، وتسأله أن يبعث به إلى غيره ويوصي ذلك الغير بأن يبعث به كذلك إلى آخر وآخر، إلى غاية الشوط الميسور؛ فيتعلم الأب ويعلم ابنه كيف يعلم حفيده وابن حفيده، وهكذا على مدى الأجيال.
ومن المهم جدا أن نميز بين أربعة أدوار في تطور الدماغ؛ أولها: الجهاز العصبي، وقد نشأ لتنبيه البنية، ثم دور الدماغ، وفيه تتلقى الكائنات الحية التعليم من الخارج، ثم دور الوراثة من طريق غير الطرق الجينية يأتي من قدرة الدماغ الدقيق التركيب على شيء أكثر من تلقي التعليم، وهو تسليمه إلى آخرين. وإنه لعامل خاص بالنوع الإنساني، لعله قام بعمله الهام منذ خمسمائة ألف سنة. أما الدور الرابع فهو شديد الشبه بالدور المتقدم، ولكنه لا يماثله تمام المماثلة، ونعني به دور التطور الذي يشمل الجماعة كلها، وقد تضاعف عمله منذ مائتي سنة.
ونسأل بعد هذا: ما الذي نستفيده مما تقدم؟ فنقول: إن الاغترار بالمشابهات خطر؛ لأنه يغض من أثر الاختلافات، فالمشابهة بين تطور الفرد وتطور الجماعة لا يجعلهما عملية واحدة في مجرى الحوادث ولا في عواقبها؛ فصناعة الحداد تورث ولا شك، ولكن وراثتها من طريق الناسلات والصبغيات - أو ما نسميه بالطرق الجينية - غير مستطاعة.
وفائدة التمييز بين التطور الفردي وتطور الجماعة أن نبعد عن أذهاننا فكرة القوانين الطبيعية التي تعمل في الحالتين على سنة التغييرات الجينية، أو الفكرة التي تقول لنا: إن الجماعة لا بد أن تولد وأن تموت كما يتعاقب الموت والولادة على الكائنات الحية، أو الفكرة التي توحي إلينا ترك الجهد في تحسين الجماعة اعتمادا على أن الطبيعة أخبر وأدرى.
ونحن إذن نستطيع أن نهذب الطبيعة، ولكن استطاعتنا هذه مرهونة بمقدار ما نملك من وسائل الغوص على أسرارها وخفاياها، ومثابرتنا على زيادة محصولنا من العلم بما يجري فيها. ولست أقول: إن الإنسان مدفوع بغريزة تحفزه إلى الكشف والاستطلاع، وإنه مسخر أبدا في طلب الحقيقة، فإن الحيوان أيضا مزود بما يمكن أن يسمى على الإجمال حبا للتطلع أو التجسس، ولكن هذه الغريزة وإن بلغت غايتها من الإحكام والقوة لا تقيدنا، ولا ينبغي أن نكون مدفوعين دفعا إلى الاستطلاع.
وإن أولئك الذين يبسطون لنا قوانينهم عن مقاصد الطبيعة يقاربون حدود الخطر والوبال، وما علينا إلا أن نذكر عاقبة الدعوى التي زعم أصحابها أن الإنسان مزود أبدا بنزعة النضال والقتال ونحن نقابل بيننا وبين أنواع الحيوانات الأخرى؛ فنرى على التحقيق أن الفارق بيننا وبينها في هذه الخصلة هو: أن الأجراس التي تدق لنا دقات التنبيه إنما هي كأجراس الماشية بجبال الألب معلقة بأعناقها، فلا لوم على أحد سوانا إذا لم نسمع منها ما يرضينا.
Shafi da ba'a sani ba