الجواب الثاني: أن الإجماع منا ومنكم: أن الوكزة ليست خلق الشيطان ولا عمله، بل هي عندنا من خلق الله تعالى واختراعه، ولموسى عليه السلام كسب. وعلى عقدهم النحس أنها خلق موسى وعمله، وليس لله فيها خلق ولا اختراع ولا عمل، فبطل احتجاجهم بالآية، ولم يبق إلا ما قلناه، وهو أنه أراد بقوله: " من عمل الشيطان " أي زين ذلك وحسنه لي، والله المعين.
فإن احتجوا بقوله تعالى: " ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك " فأوضح تعالى أن السيئة منا، والحسنة منه، فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أنه لا يصح لكم الاحتجاج معشر المعتزلة بهذه الآية بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب؛ لأن ظاهرها فيه تعلق لمن يقول إن الخير خلق الله تعالى وفعله، والشر خلقنا وفعلنا، وأنتم لا تقولون بظاهر هذه الآية، لأنكم تقولون إن أحسن الحسن وخير الخير الإيمان والمعرفة. وتقولون ليس لله في هذا قدرة ولا خلق، وإنما هو بقدرة العبد المؤمن وخلقه، فلا حجة لكم فيها.
الجواب الثاني: أن صريح النص في أول هذه الآية حجة عليكم، لأنه يقال: رد عليهم، وأمر نبيه عليه السلام أن يرد عليهم، بقوله تعالى: " قل كل من عند الله " ثم جهلهم وإياكم، وأكد ذلك بقوله: " فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " فصارت الآية حجة واضحة عليكم لا لكم.
الجواب الثالث: قوله تعالى: " ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك " وهذا صحيح من وجهين: أحدهما: أن مثله في القرآن كثير. من ذلك قوله تعالى: " ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا " تقديرا لكلام يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا. ومثله قوله تعالى: " والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون " ومثله أيضا قوله تعالى: " الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب " تقدير الكلام " فأما الذين اسودت وجوههم " فيقال لهم " أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب " فكذلك هذا، فتقدير الكلام فيه " لا يكادون يفقهون " فيقولون " ما أصابك من حسنة " الوجه الثاني: أن هذه الآية إن لم تحمل على ما قلناه صار بعضها ينقض بعضا ويخالف بعضا، وليس في كتاب الله تعالى مناقضة ولا اختلاف، فصح ما قلناه؛ لإنه قال في أول الآية: " كل من عند الله " ثم يرجع في سياقها فيقول: لا إنما البعض مني والبعض من خلقي، كلا والله، بل ذكر ذلك في سياق الآية تجهيلا لقائله وردا عليه. فافهم الحق وادفع به الباطل.
فإن احتجوا فقالوا: وجدنا أفعالنا واقعة على حسب قصدنا، فوجب أن أن يكون خلقا لنا وفعلا لنا. قالوا: وبيان ذلك أن الواحد منا إذا أراد أن يقوم قام، وإذا أراد أن يقعد قعد. وإذا أراد أن يتحرك تحرك، وإذا أراد أن يسكن سكن، وغير ذلك فإذا حصلت أفعاله على حسب قصده ومقتضى إرادته دل على أن أفعاله خلق له، وفعل له، فالجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا غير صحيح أولا، فإنا نرى من يريد شيئا ويقصده ولا يحصل ما يريد ولا ما يقصد. فإنه ربما أراد أن ينطق بصواب فيخطئ، وربما أراد أكلا لقوة وصحة فيضعف ويمرض، وربما ابتاع سلعة ليربح فيخسر، وربما أراد القيام فيعرض له ما يمنعه منه، إلى غير ذلك. فبطل ما ذكرتموه، وصح أن فعله خلق لغيره، يجري على حسب مشيئة الخالق تعالى، وإنما يظهر كسبه لذلك الفعل بعد تقدم المشيئة. والخلق من الخالق.
Shafi 59