أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمود النجار، قال كتب إلينا الوزير أبو غالب عبد الواحد بن مسعود بن الحصين، قال: ورحل إلى بغداد في سنة ثمان وتسعين، فدخلها في سنة تسع وتسعين وأقام لها سنة ونصفا، ثم عاد إلى المعرة في سنة أربعمائة، ولزم منزله بها، وأمسك عن أكل اللحم خمسا وأربعين سنة.
سمعت والدي أبا الحسن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة، فيما يأثره (¬1) عن أسلافه، قال: رحل أبو العلاء المعري من المعرة إلى بغداد. واتفق يوم وصوله إليها موت الشريف الطاهر، يعني أبا أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو والد الشريفين الرضي والمرتضى؛ فدخل أبو العلاء لتعزيته (¬2) ، والناس مجتمعون، والمجلس غاص بأهله، فتخطى بعض الناس، فقال له بعضهم ولم يعرفه: إلى أين يا كلب؟! فقال: الكلب من لا يعرف للكلب كذا وكذا اسما. ثم جلس في أخريات المجلس، إلى أن قام الشعراء وأنشدوا، فقام أبو العلاء وأنشد قصيدته الفائية التي أولها (¬3) :
أودى فليت الحادثات كفاف ... ... مال المسيف وعنبر المستاف
يرثي بها الشريف المذكور. فلما سمعه الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه، وقالا له: لعلك أبو العلاء المعري؟ قال نعم، فأكرماه واحترماه. ثم إنه بعد ذلك طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد، فأدخل إليها، وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ عليه.
Shafi 66