Juyin Juya Hali na Ottoman da Turkiyya Sabuwa
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Nau'ikan
تأسيس جمعية الاتحاد والترقي
كان من نتيجة هذا الخلل في الإدارة والاستبداد والعسف بالأمة أن تأسست في الأستانة جمعية الاتحاد والترقي لإخماد نار الفتن المشتعلة في البلاد، وطلب الحرية والعدل لجميع العثمانيين، وتأييد روابط الحب والأمان بين الأمة - المؤلفة من السنة وأديان مختلفة - وبين الدولة، وقد بعثت الجمعية في تلك السنة (1894) فريقا من الشبان الأحرار - أكثرهم من طلاب المدرسة الطبية - إلى باريس؛ ليؤسسوا فرعا للجمعية فيها، ويقوموا بنشر الجرائد والرسائل، وكان في باريس إذ ذاك عدد ليس بالقليل من الشبان العثمانيين، بعضهم يدرس على نفقة الحكومة العثمانية أو نفقته الخاصة، وبعضهم يدرس ويشتغل بالمسائل السياسية، وأشهرهم أحمد رضا بك صاحب اللائحة المشهورة.
ترجمة أحمد رضا بك ومبادئ جمعية الاتحاد والترقي
ولد أحمد رضا بك في الأستانة منذ خمسين سنة تقريبا، ووالده إنجلز علي بك، وأمه مجرية، وسمي إنجلز لتعلمه الإنجليزية ووقوفه على المدنية الأوروبية كما مر بيانه، وإلا فهو من الأتراك المسلمين، وكان من معتبري الموظفين الذين نشئوا في عهد مصطفى رشدي باشا وعالي، فتخرج أحمد رضا في مدارس الأستانة وعين مديرا للمدرسة الإعدادية في مدينة بروسة، فأحس في نفسه بلزوم السفر إلى أوروبا للاطلاع على عمومها ومدنيتها؛ فذهب إلى باريس سنة 1890، واختلف إلى مدرسة الزراعة لشدة احتياج المملكة إلى العلوم الزراعية، وتعرف إلى علي شفقتي بك الذي يصدر جريدة «استقبال » في إيطاليا ثم في فرنسا، وهو من رجال السلطان مراد، وكان رضا بك كثير التردد على المكتبة الأهلية في باريس، فاطلع فيها على أهم الكتب والفنون، واشتغل بالمسائل السياسية، وحرر لائحة مفصلة مشتملة على رسائل في إصلاح الإدارة والمالية والزراعة والتجارة وغير ذلك، بعد أن درس لائحة مصطفى فاضل باشا، ووصية فؤاد باشا، وما حرره ملكوم خان وشارل ميزمر وغيرهما من أكابر الرجال المشتغلين بالسياسة الشرقية والواقفين على أسباب الانحطاط وعلله الفلسفية.
سلك أحمد رضا بك في الفلسفة الحقيقية مسلك أوكوست كونت وخليفته بييرلافيت، وصار إماما في هذه الطريقة المؤسسة على «النظام والترقي»، وهذه الكلمة هي شعارهم، وعليها بناء أعمالهم، ومن مبادئهم التفاني في حب الوطن وخدمة الجماعة؛ أي وقف حياة الفرد على خدمة المجموع، وهم ينفرون من الانغماس في الشهوات وتبذير الأغنياء؛ لأن المبذرين إخوان الشياطين، ويشددون النكير على الذين يبتزون الأموال الأميرية ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويعبثون بالحقوق العمومية، فالمرتكب الملوث بالرشوة يعدونه ساقطا مهما بلغ علمه وقدره، فأحمد رضا بك متصف بكل هذه الخلال الجليلة، وقد ضحى نفسه وشبابه في سبيل المحافظة على مبدئه، ورفض قبول الألوف من الدنانير وهزئ بالمناصب التي كانت تعرض عليه، مع شدة حاجته واضطراره، وتحمل الأذى والمكاره، وجاهد في سبيل استرداد الحرية حق الجهاد قائلا: لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي لما تحولت عما قصدت إليه، فكان في الحقيقة من أولي العزم الصادق، ونشر تعالميه وأفكاره، وله رسالة مطبوعة بالفرنسية عنوانها «التساهل الديني»، رد فيها على الذين يتهمون المسلمين بالتعصب، واستدل بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مما دل على غزارة علمه.
وأما اللائحة التي مر ذكرها في رسالة باللغة التركية مشتملة على تحقيق وعلم وسياسة في إصلاح إدراة الدولة ولما تنشر، وكانت جريدته «مشورت» تصدر بالتركية والفرنسية في كل أسبوع أو أسبوعين مرة، ثم اقتصر على القسم الفرنسي وهي صغيرة الحجم، مضى على إنشائها أربع عشرة سنة، ويتألف منها مجلدان أو أكثر، وربما كان له غير ذلك من المؤلفات ، فإنه كثير الدرس والتحقيق، يقضي الساعات الطويلة في المكتبة الأهلية، وفي مكتبته الخاصة مؤلفات كثيرة في التاريخ والسياسة العثمانية والمسألة الشرقية.
ولما وصل وفد جمعية الاتحاد والترقي إلى باريس سنة 1894 كان رضا بك ساكنا في شارع مونج في بيت صغير
Appartement
في الطبقة السادسة فقصد إليه الوفد وذاكروه في انضمامه إليهم، فتردد في بادئ الأمر، وقال: إذا عزمت على شيء فإنني لا أرجع عنه مطلقا، وكان أقدر الموجودين وأعرفهم بطرق الإصلاح ومواضع الخلل؛ لأن إصلاح مملكة عظيمة مشتملة على أمم مختلفة في الجنس والدين واللسان، ووارثة للخلافة الإسلامية والدولة البيزنطية؛ ليس بالأمر السهل، ولا يشبه إصلاح مدرسة أو إدارة تلاميذ، وإنما يحتاج إلى علوم ومعارف شتى، ونظر، واختبار، ونفاذ بصيرة، وليس ذلك في مقدور من درس سنتين أو أكثر في مدرسة طبية لا تدرس فيها العلوم السياسية والحقوقية ولا العلوم الشرقية التي هي موضوع بحث العلماء المستشرقين، فقبل أحمد رضا بك الانضمام إلى الجمعية، وصار رئيسا لفرع باريس، ونشر جريدة «مشورت» بالتركية والفرنسية ناطقة بمقاصد الجمعية.
معاكسة المابين للأحرار في أوروبا
Shafi da ba'a sani ba