أشار إليها بقلم رصاص في يده إلى ممر داخلي أمام المرحاض وأمرها بالانتظار، وقفت سعدية مسندة ظهرها إلى الحائط الأبيض، الألم في عمودها الفقري وركبتها اليسرى، لم يكن بالممر مقاعد، تكورت هنادي فوق البلاط تلف جسمها بشال أمها الأسود، مرت ساعة ثم ساعة فثلاث ساعات، ثم أشار إليهما التمرجي بالدخول إلى غرفة العمليات.
جلس شاكر في جوار زوجته وهي تقود السيارة، يرمق أنفها المرفوع وهو يزم شفتيه، لا يعرف سبب الضيق بالضبط.
ارتفاعة أنفها غير مألوفة، كان لأمه هذا الأنف، كانت ذات إرادة قوية تتغلب على إرادة أبيه، يحب المرأة القوية كما أحب أمه وكرهها في الوقت ذاته، كره سلطة أبيه المطلقة وأحبها وأصبح يمارسها، احتقر أباه حين اكتشف أنه يكذب على أمه ويخونها في الخفاء، أصبح يكره الكذب والخيانة ويمارسهما في الوقت ذاته، كان يشعر بتأنيب الضمير فيجلد نفسه أو غيره ممن يقعون تحت سلطته، أفاق على صوت فرملة حادة، كاد سائق متهور يصطدم بسيارتهما لولا انتباه فؤادة وقدرتها الفائقة على القيادة، شوارع القاهرة مزدحمة بالسيارات، لا يحترم السائقون قانون المرور والإشارات، يترك لزوجته مهمة قيادة سيارتها لكنه لا يكف عن إعطائها التوجيهات.
سوقي على مهلك، خلي بالك من العربيات، ورانا لوري، اعملي الإشارة، العربية طالعة شمال، خليكي ع اليمين، يشعر بلذة وهو يعطيها التوجيهات، ينتهز أي فرصة ليوجه إليها النصائح، كان متفوقا في كلية الحقوق، كان يمكن أن يكون أستاذا مرموقا في القانون أو مستشارا في مجلس الدولة أو وزيرا للعدل، لكن يبتلع كلمة «لكن» مع لعاب مر، تدرب في حياته ألا ينطق كلمة «لو»، لا شيء يمكن أن يقضي عليه إلا الندم، العيون في الشوارع ترمقه جالسا في جوار زوجته، لا تقود المرأة السيارة وفي جوارها رجل، مهما ارتفعت المرأة لا ترتفع عن زوجها، عضلة صغيرة تنقبض تحت عينه اليسرى، تنقبض هذه العضلة دائما قبل أن يغضب، لمحتها فؤادة بجانب عينها، أصبحت تقرأ وجهه وحركة عضلاته، أوقفت السيارة في جوار الرصيف. - سوق إنت يا شاكر. - مين قال إني عاوز أسوق؟ - فيه حاجة عاوز تقولها؟ - مش عاوز أقول حاجة. - زعلان ليه؟ - مش زعلان.
تضغط دواسة البنزين وتواصل القيادة.
ترمقه من الجانب، أنفه مرتفع مقوس يشبه أنف أبيه، فتحة الأنف واسعة يسدها شعر يهتز مع حركة أنفاسه المسرعة، يزعق فجأة بغضب. - كنت عاوزة تروحي معاهم العيادة؟ - كان لازم أروح معاهم يا شاكر. - يعني إحنا ناقصين مصايب؟ - مصايب إيه يا شاكر؟ - مش عارفة مصايب إيه؟ - كنت أطلع معاهم للدكتور ع الأقل؟ - وتورطينا إحنا في جريمة؟ - جريمة إيه؟ - مش عارفة جريمة إيه؟ - دي عملية بسيطة. - وإذا ماتت؟ - إن شاء الله تعيش. - إن شاء الله تموت. - حرام عليك، فين الإنسانية يا شاكر؟ - عندك إنسانية أكتر مني؟
يرتفع صوته أكثر. - عندك شجاعة أكتر مني؟
يزعق منفجرا بالغضب. - عندك رجولة أكتر مني؟
تنطلق كلمة رجولة من بين شفتيه كالقذيفة.
فؤادة لا ترد، تدرك في صوته طبقات الكراهية المتراكمة المكبوتة على مدى السنين، المتنكرة بأشكال من الصداقة أو الحب أحيانا، تذوب مشاعره المتناقضة في شعور واحد بالغضب، منذ زواجها به تنتابه لحظات غضب لم تكن تعرف مصدرها، كانت تقول لنفسها ربما السجن يتراكم فيه الغضب المكبوت؟ كان يمكن أن يكون أستاذا بكلية الحقوق، وزيرا للعدل، قاضيا مرموقا، مستشارا قانونيا مشهورا، لكنه أصبح محررا مجهولا في صفحة السياسة المحلية، زوجته مسئولة صفحة السياسة الدولية، اسمها معروف، تحضر المؤتمرات في الخارج، راتبها من الجورنال ضعف راتبه، قامتها أطول من قامته، كتفها وهي تمشي في جواره أعلى من كتفه، ثلاثة سنتيمترات فقط.
Shafi da ba'a sani ba