355

Injad Fi Abwab Jihad

الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه

Bincike

(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)

Mai Buga Littafi

دار الإمام مالك

Inda aka buga

مؤسسة الريان

Nau'ikan

Fikihu
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هذا والاستيلاء والإحراز، عهد طريقًا مكسبًا للملكية الفردية في المباحات، وذلك تشجيعًا للجهد الإنساني الفردي للانتفاع بما وجد في الطبيعة من خيرات واستثمارها، وذلك معقول، لأنَّ من بذل جهدًا فاجتنى مما وجد في الطبيعة من خير مباح لا مالك له، كان أولى من غيره بامتلاكه، ممن لم يبذل أدنى مشقة في هذا السبيل، وهذا أمر وراء استلاب الحقوق والثروات، واغتصاب الديار والأوطان بعد تشريد أهلها منها بقوة السلاح.
وقد تضافرت نصوص القرآن الكريم على وجوب دفع العدوان قبل وقوعه بالجهاد بالأنفس والأموال، وعلى وجوب إزالته بعد الوقوع، ولم يعهد أنه سبيل لتملك الأعداء ديار المسلمين وأموالهم.
قال -تعالى-: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] .
وإذا حرم الإسلام على أهله الاعتداء، فأحرى أن يحرم عدوان غيرهم عليهم، ولا يجعله سبيلًا لامتلاك أموالهم وديارهم!
وقال -تعالى-: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١] .
لا يقال إن الآية تدل على أن الله -تعالى- لن يجعل للأعداء سبيلًا على نفوس المسلمين دون أموالهم، لأنا نقول: إن كلمة ﴿سَبِيلًا﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم كل سبيل سواء أكان واقعًا على نفوسهم أو أموالهم أو ديارهم.
ولا يقال كذلك إن الله لم يجعل للكافرين على المسلمين حجة؛ لأن الصيغة عامة فيجب إجراؤها على العموم -كما هو الأصل- إذ لا دليل على التأويل أو التخصيص.
انظر: «كشف الأسرار» (١/٦٨ وما بعدها)، «التوضيح» (١/١٣١ وما بعدها)، «أصول السرخسي» (١/٢٣٦) .
كذلك لا يقال إنه لو كانت أموال المسلمين باقية على ملكهم، رغم إخراجهم من ديارهم، لأطلق عليهم القرآن الكريم كلمة «أبناء السبيل» وهم من انقطعت بهم صلتهم بأموالهم لبعدهم عنها، ولم يسمهم «فقراء» فدل ذلك على أنهم فقراء حقيقة قد زالت ملكيتهم عنها، لأنا نقول: إن ابن السبيل هو «المسافر» الذي انقطعت به الطريق، ونفذ ماله، وله طماعية في الرجوع إلى بلده، لتمكنه من ذلك، وهذا مفهوم يختلف عمن أُخرج من دياره وأمواله عنوة، وليس في وسعه أن يعود إليها، لذا صح اعتباره كأنه فقير، أضف إلى ذلك أنهم قد توطنوا بالمدينة.
انظر: «كشف الأسرار» (١/٦٩)، «حاشية الإزميري على المرآة» (٢/٧٦) .
ووصفهم بكونهم فقراء مجازًا، لا يشعر بزوال ملكيتهم عن ديارهم وأموالهم، بل يفيد ثبوتها لهم، بقرينة إضافتها إليهم، ولأن في إطلاق هذه الكلمة عليهم، إثارة للتعطف الداعي إلى رعايتهم، وتدبير مصالحهم، والاهتمام بشؤونهم، تخفيفًا لوطأة الظلم عنهم، وتحقيقًا لما تقتضيه الأخوة نحوهم» .
قلت: وانظر نصرة هذا الاختيار في «أحكام أهل الذمة» (١/٢٩١)، «الزاد» (٥/٧٦)؛ كلاهما لابن =

1 / 368