Informing about the Rules of Forbidden Wealth
الإعلام بأحكام المال الحرام
Mai Buga Littafi
در اللؤلؤة للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٤١ هـ - ٢٠٢٠ م
Inda aka buga
القاهرة
Nau'ikan
تقديم فضيلة الشيخ مصطفى بن العدوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا بحث في المال الحرام، وصور اكتسابه، والحكم فيه، قام بإعداد هذا البحث أخي/ منصور النجار - وفقه الله لكل خير - وقد اعتنى فيه بسلامة المادة العلمية المستدل بها، فخرَّج الأحاديث والآثار، وحكم على كلٍ بما يستحق صحةً أو ضعفًا، وأورد طرفًا من أقوال الفقهاء والمفسرين في كتابه مع العزو إلى المصادر، ثم إنه - وفقه الله - قد أتى على كثير من صور اكتساب المال المعاصرة، وأعطاها الحكم اللائق بها، مع نقله لبعض الفتاوى المعاصرة لأهل العلم في هذا الصدد.
هذا؛ وأخي منصور - وفقه الله - ممن عهدناهم من ذوي الأخلاق الكريمة الحسنة، مع حبه لدينه وحرصه على العلم، فالله
1 / 5
أسأل أن يزيده توفيقًا وسدادًا وصلاحًا وإخلاصًا، وأن ينفع بعمله الإسلام والمسلمين.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد
والحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو عبد الله مصطفى بن العدوي
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، خالق السماوات والأرض وجاعل الظلمات والنور جلّ في علاه واحدٌ أحد، فردٌ صمد، لا محيد عنه ولا مفر، ذو العرش المجيد والبطش الشديد، الأمر أمره والملك ملكه يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فعالٌ لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، مكور الليل على النهار، تذكرةً لأولى القلوب والأبصار، وتبصرةً لذوي الألباب والاعتبار.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وخاتم النبيين، وخيرته من خلقه أجمعين ﷺ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وإخوانه من النبيين والمرسلين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذا بحث أعددته للمسلمين عامة ولطلاب العلم خاصة، تناولت فيه صور الكسب الحرام، وكيف للمسلم أن يتخلص من المال المحرم؟ وفق الكتاب وصحيح السنة، وضمنته جملة مسائل
1 / 7
كثر سؤال العامة عنها، منها على سبيل المثال؛ هل يجوز قبول الهدية ممن غالب ماله حرام؟ وهل يصح الحج من المال الحرام؟ وهل يجوز التخلص من المال الحرام في بناء المساجد؟ وكيف يتخلص التائب إلى الله من المال المكتسب من الحرام ولا يعلم له صاحب؟ وما الحكم في مال الكافر إذا أسلم؟ وماذا يجب على من سرق عينًا وأراد أن يتوب بعد زمن وقد هلكت العين وليس لها مثل؟ ومسائل كثيرة من هذا القبيل، وتوسعت كذلك في باب الربا وما يتعلق به من مسائل.
• وقد انتهجت في بحثي هذا ما يلي:
• جمع الوارد في الباب من كتاب ربنا ﷾ ومن سنة النبي محمد ﷺ.
• نقل فقه الصحابة والتابعين في كثيرٍ من المسائل.
• بيان درجة الأحاديث وكذا الآثار.
• نقل أقوال الأئمة من كتبهم المعتمدة وذلك في كثير من المسائل.
• مناقشة أقوال أئمة المذاهب في كثير من المسائل وإظهار الراجح معتمدًا في ذلك على ما يوافق الدليل.
• محاولة عرض المسألة في صورة مختصرة قبل ذكر الأدلة والخلاف الحاصل فيها، وأحيانا يكون هذا العرض في نهاية المسألة.
1 / 8
• تقيدت بالمسائل الشائعة في واقعنا المعاصر؛ غاضًا الطرف عن المعاملات التي اندثرت مما ذكره الفقهاء في كتبهم.
هذا، وأسأل الكريم المنان ذي الفضل والإحسان أن ينفع بهذا البحث كاتبه وناشره وقارئه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الأعلى، وأستحضر في هذا المقام قول أبي الطيب الوشاء: (وشريطتنا على قارئ كتابنا الإقصار عن طلب عيوب أخطائنا، والصفح عن ما يقف عليه من إغفالنا، والتجاوب عن ما ينتهي إليه من إهمالنا، وإن أداه التصفح إلى صواب نشره، أو إلى خطأ ستره؛ لأنه قد تقدمنا بالإقرار، ولابد للإنسان زلل وعثار، وليس كل الأدب عرفناه، ولا كل العلم دريناه، وعلينا في ذلك الاجتهاد وإلى الله الإرشاد، وقل ما نجا مؤلف لكتاب من راصد بمكيدة أو باحث عن خطيئة، وقد كان يقال من ألف كتابا فقد استشرف، وإذا أصاب فقد استهدف (^١)، وإذا أخطأ فقد استقذف، وكان يقال لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يقل شعرًا أو يضع كتابًا (^٢).
كما لا يسعنى فى تقدمتى هذه إلا أن أقدم جزيل الشكر للوالد الكريم والعالم الجليل شيخي أبي عبد الله مصطفى بن العدوي، فلقد
_________
(^١) استهدف: صار هدفًا لغيره، فالسين والتاء هنا للصيرورة.
(^٢) الموشي (ص ٢).
1 / 9
بذل من وقته لمراجعة هذا الكتاب، أسأل الله ﷿ أن يجري الحق على لسانه، وأن يبارك في دعوته، وأن يرحم والديه، وأن ينبت ذريته نباتًا حسنًا.
كتبه
منصور بن عبد الحميد آل النجار
قبل غروب شمس يوم عاشوراء لعام ١٤٣٥ من الهجرة
1 / 10
فتنة المال
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾ [آل عمران].
اشتملت الآية الكريمة على بعض أنواع فتن الشهوات، ابتدأها ربنا ﷾ بالنساء ثم ثنى بالبنين، ثم ثلث بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والمقصود بذلك إنما هو المال.
المال عماد رئيس من أعمدة التعامل بين الناس، فلا يكون هنالك بيعٌ ولا شراء إلا بالمال، ولا تكون هنالك تجارةٌ ولا مزارعة ولا مساقاة إلا بالمال، بل إن دولًا تشاجرت وتناحرت من أجل المال، والإنسان بطبعه بحاجةٍ إلى المال ليطعم ويشرب ويلبس ويسكن.
لا شك أن المال نعمةٌ من نعم الله رب العالمين أنعم بها على عباده، وهذه النعمة تستوجب شكرًا وعرفانًا، لكن للأسف قابلها البعض بالجحود والكفران.
1 / 11
الذي أعطى الغنيَّ مالًا هو الله والذي لم يعطِ الفقير هو الله فالمالك الحقيقي للمال وغيره هو الله رب العالمين، لكنه سبحانه ملَّكنا هذا المال ملكًا شرعيًّا للاختبار، فالنفس مجبولةٌ على حب المال، إلا أنه شتان بين من جمع المال من حِله وحرامه، وبين من اكتفى بحلاله، وفارِقٌ أيضًا بين من أنفق المال في كل سبيل، حرامًا كان أو حلالًا، وبين من استخدمه في الحلال الخالص.
إن المال بين يدي أقوامٍ نعمة وبين يدي آخرين يتحول إلى نقمة.
قال الله تعالى: ﴿وَاْعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٢٨].
وقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ» قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟ قَالَ: «زَهْرَةُ الدُّنْيَا» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ- قَالَ: «لَا يَأْتِي الخَيْرُ إِلَّا بِالخَيْرِ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرَةِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، وَإِنَّ هَذَا المَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ
1 / 12
بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» (^١).
هذا مثالٌ نبويٌ شَبَّه فيه النبي ﷺ هذه الدنيا وبهجة منظرها وطيب نعيمها، وحلاوتها في النفوس - بنبات الربيع، وهو المرعى الذي ينبت في زمن الربيع، فإنه يُعجب الدواب التي ترعى فيه، فتُكثر الأكل منه بما يفوق احتياجها فتهلك.
النبي ﷺ يقول لأصحابه: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ» فيتعجب الحاضرون، ويسأل سائل منهم ويقول: وما بركات الأرض؟ فيكون الجواب من النبي ﷺ: «زهرة الدنيا».
فيزداد العجب عند الصحابة الحضور ويتوجه أحدهم بسؤال آخر: هل يأتي الخير بالشر؟ وهنا يطرأ طارئ مفاجئ وهو صَمْت النبي ﷺ حتى علم الصحابة أن النبي ﷺ يعالج الوحي، ثم يعاود النبي ﷺ الحديث ويقول: «أين السائل؟» فيجيب: أنا. فيقول له النبي ﷺ: «إن هذا المال خضرة حلوة»، أي ظاهر أمره هكذا.
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (١٤٦٥)، ومسلم (١٠٥٢)، من حديث أبي سعيد الخدري ﵁.
1 / 13
ثم يضرب له مثالًا ويقول: «إن كل ما أنبت الربيع يقتل حَبَطًا أو يُلم».
والمعنى أن النبات الذي ينبت في زمن الربيع أو من الربيع الذي هو جدول الماء، تأكل منه الأنعام، وتُعجب به، فهو في أعينها خصرةٌ حلوة، إلا أن النتيجة تكون موتها أو مرضها؛ إن لم تمت الأنعام من كثرة ما أكلت فإنها تُصاب بمرض يسمى مرض الحبط، وهو ما يعتري الدواب من انتفاخ تموت بسببه، مع أن الدواب اشتهت الطعام وأقبلت عليه، إلا أنه كان سببًا في هلاكها.
ثم استثنى النبي ﷺ من هذه الماشية، صنفًا حُمدت عقباه، وهو صنف آكلة الخضرة، فقال عنها: «أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ» أي أن هناك من البقر من يأخذ من الطعام بقدر ما يكفيه، ثم بعد ذلك تستقبل البقرة الشمس لِتَحمي؛ فيسهل إخراج ما أُكل «فاجترت» أي أخرجت الطعام من بطنها مرة أخرى فمضغته ليسهل بلعه، «فثلطت وبالت» أي أخرجت فضلات غذائها، وهذا مثالٌ نافع.
ثم وجَّه النبي ﷺ نصيحته للأمة فقال: «وَإِنَّ هَذَا المَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»
1 / 14
هذا هو حال الطامع، يكون المال عليه وبالًا. قال رسول الله ﷺ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» (^١).
إياك إياك يا عبد الله أن تعبد المال، فلقد قال رسول الله ﷺ: «لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَلُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ» (^٢). حري بنا أن نربي أنفسنا ونهذبها، فالنفس مجبولةٌ منذ الصغر وحتى الهَرَم على حب المال، قال رسول الله ﷺ: «يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَطُولُ العُمُرِ» (^٣).
احذر أيها الموحد أن يختلط مالك بالحرام، قال رسول الله ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢]
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (٦٤٣٦)، ومسلم (١٠٤٨) من حديث ابن عباس ﵁.
(^٢) صحيح: أخرجه البخاري (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٣) صحيح: أخرجه البخاري (٦٤٢١) من حديث أنس ﵁.
1 / 15
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» (^١).
وقال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (^٢).
إن آكل الحرام ملعون، قال رسول الله ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (^٣).
وقال ﷺ أيضًا: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ» (^٤).
وقال ﷺ أيضًا: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» (^٥).
_________
(^١) صحيح: أخرجه مسلم (١٠١٥) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) صحيح: أخرجه البخاري (٢٤٥٣)، ومسلم (١٦١٢) من حديث عائشة رضى الله عنها.
(^٣) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم (١٦٨٧) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٥٩٧).
(^٥) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٥٨٠)، والترمذي (١٣٣٦)، وابن ماجه (٢٣١٣).
1 / 16
احذر عبد الله أن تنتهك حرمة مال امرئ مسلم، فإن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» (^١).
إن آكل الحرام ناقص الإيمان فاقد للكمال الواجب، قال رسول الله ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (^٢).
واعلم يا من تعديت على مال المسلمين بغير حق أنك مؤديه يوم القيامة كما قال نبي الهدى محمد ﷺ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» (^٣).
واعلم «أن كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه» (^٤).
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (٢٣٨٧) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) صحيح: أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٣) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٨٢) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٤) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 17
• أحذرك أيها الموفق منع حق الله في المال، فإن لله تعالى حقًّا أوجبه علينا في المال، والحقوق المالية على أربعة أقسام:
أولها: حق بسبب بلوغ النصاب، وهو حق الزكاة.
ثانيها: حق بسبب الكفارات، ككفارة اليمين.
ثالثها: حق بسبب الضمان، كمن ضمن مالا لإنسان.
رابعها: حق بسبب النسك، كدم النسك للمتمتع والقارن.
إن كثيرًا من أغنياء المسلمين يمنعون الزكاة مستحقيها، والزكاة حق للفقير، فمن منع الفقير حقه كمن اغتصبه ماله، ولقد حذر ربنا ﷾ في كتابه الكريم من هذا الصنف الذي لا يخرج زكاة ماله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣٤ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ٣٥﴾ [التوبة].
وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» (^١).
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (١٤٠٣) من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 18
وفي حديث أبي ذر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - أَوْ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ - مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ غَنَمٌ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» (^١).
يا عبد الله؛ يا من أعطاك الله المال الكثير، كلما كثرت أموالك زاد مقدار زكاتك، وكلما كثرت زينها الشيطان لك، لا تقل: إن المال الواجب علي كثير، ما أقبحها والله من مقالة، هل قلت يومًا: أنا لا أستحق هذا المال الكثير؟!
أيها الغني بما أعطاه الله، إنك في اختبار؛ فهل لك أن تفوز؟!
أنفِق من مالك الذي ملكك الله إياه.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٢٥٤﴾ [البقرة].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (١٤٦٠)، ومسلم (٩٨٧).
1 / 19
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
[المنافقون].
أخيرًا أيها المسلم؛ لتعلم أنك بين يدي الله مسئول عن مالك، مسئول عن مصدر كسبك، وكذلك مسئول عن جهات إنفاقك.
• ١•
1 / 20
صور من الكسب الحرام
1 / 21
السرقة
من الموبقات والمهلكات التي أوجب الله تعالى فيها الحد موبقة وكبيرة السرقة؛ سرقة أموال الناس سواء أكانت أموالًا عامة أم أموال خاصة، والسرقة تكون خُفية وخلسة فهي من الخيانة.
قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة].
وكان النبي ﷺ يبايع الناس على أن لا يسرقوا.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة].
وعن عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت ﵁ كان شهد بدرًا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة - أن رسول الله ﷺ قال وحوله عصابة من أصحابه: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا،
1 / 22
وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شيئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ» (^١).
• السارق ملعون:
عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (^٢).
• السارقُ منفيٌّ عنه كمال الإيمان (^٣):
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (^٤).
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (١٨)، ومسلم (٤٥٥٨).
(^٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم (٤٥٠٣).
(^٣) المنفي الكمال الواجب، فالإيمان له كمالان: كمال واجب، وكمال مستحب.
(^٤) صحيح: أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٢١٧).
1 / 23
• السارق تُقطع يده:
قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة].
وعن عائشة - بسم الله الرحمن الرحيم ﵌ المحتويات ﵁ ﵂ ﵂ ﷺ ﷺ ﵃ ﷺ ﵁ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!» ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» (^١).
وعن عبد الله بن عمر ﵄ أنه قال: قَطَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (^٢).
قال ابن كثير: وقد كان القطعُ معمولًا به في الجاهلية فقُرِّرَ في الإسلام وزيدت شروط أُخر (^٣).
_________
(^١) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٨٨)، ومسلم (٤٥٠٦).
(^٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٩٨)، واللفظ له، ومسلم (٤٥٠٢) والمجن: ما يُستَتَر به.
(^٣) «تفسير ابن كثير» (٣/ ١٠٧).
1 / 24