قال: ربما، ولكن أمثال سليم لن يخرجوا الآن.
سألت: ومتى يخرجون؟
قال: لا أحد يعرف، وقد يمتد بهم الحال سنين.
صاحت: سنين؟!
قال بحزن: سنين طويلة لا يعرف عددها أحد.
صافحته بأصابع مرتعدة وجرت إلى الشارع. رأت الناس سائرين إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم كأي يوم عادي كأن شيئا لم يحدث، كأن شيئا خطيرا لم يحدث. مع أن أخطر شيء حدث، أخطر شيء ويمكن أن يحدث حدث، ولا أحد يدري، ولا أحد يهتم، وسارت كالتائهة في الشارع، وحين وصلت إلى سور الكلية رأت من خلال النوافذ رءوس الطلبة والطالبات وهم منكفئون فوق الجثث. كما كانت تراهم في أي يوم عادي، وكأن شيئا لم يحدث. ضغطت على أسنانها في غيظ، وخبطت الأرض بقدميها، ما أقبح الحياة العادية بعد الحادث الجلل، ما أفظع استمرار الحياة اللامبالي، والسماء تبقى معلقة فوق، والأرض تظل ممدودة تحت، والسحب تتحرك حركتها العادية المحايدة، والناس يسيرون في الشوارع سيرهم اليومي اللامبالي. لماذا لا يتوقف هذا العبث؟ خبطت الأرض بقدمها مرة أخرى. لماذا لا تكف هذه الحركة اللامبالية عن الدوران الساحق؟ لماذا لا يتوقف الناس لحظة، ويرفعون رءوسهم ويرون السلاسل الحديدية الملتفة حول أعناقهم؟
بهية!
سمعت الصوت من خلفها فانتفضت. ورأت وجها يطل من سيارة طويلة سوداء كسيارات البوليس. تذكرته على الفور. إنه الدكتور علوي. هبط من العربة بسرعة واتجه نحوها. سألها بلهفة: بهية! أين أنت كل هذه المدة؟
سكتت ولم ترد. شدها من يدها نحو العربة: تعالي معي، أريد أن أتحدث معك.
كان الوقت ظهرا، والشمس قوية تدخل من نافذة العربة تحسها فوق ذراعها ساخنة، وقالت لنفسها: «سنين طويلة لا يعرف عددها أحد.» ورفعت عينيها نحو السماء بنظرة شاردة تائهة في خضم بلا حدود. هذا الزمن غير المحدد، غير المعروف، كعمرنا، حين نجهل اليوم الذي نموت فيه، ونظن بطريقة ساذجة أنه لن يأتي أبدا، أو نحس بسذاجة أشد أنه آت في كل لحظة وفي كل وقت. هذه المأساة غير المحدودة، اللانهائية، نعيشها، ونحملها فوق أجسادنا كالعبء الأبدي.
Shafi da ba'a sani ba