كانت هذه الملاحظة أكثر دبلوماسية بكثير مما توقعت الآنسة لونجوورث نفسها.
بدت جيني بروستر مسرورة بشدة، ثم قالت: «أوه، أنا لا أعرف هذا؛ لكن أسعى لأن أكون كذلك في خلال عام.» «رائع جدا، أمامك الكثير من الوقت لتحقيق هدفك دون استخدام المعلومات التي حصلت عليها على متن هذه السفينة. والآن، وكما كنت أقول، تدفع لك صحيفة «نيويورك آرجوس» مبلغا معينا من أجل القيام بهذا العمل. إذا وعدتني بعدم إرسال المعلومات إلى تلك الصحيفة، فسأعطيك شيكا بضعف المبلغ الذي ستدفعه لك الصحيفة، هذا إلى جانب إعادة ضعف قيمة كل النفقات التي تكلفتها إليك.» «بعبارة أخرى، أنت تطلبين مني أن أحصل على رشوة وأرفض القيام بواجبي تجاه الصحيفة .» «هذه ليست محاولة للرشوة. أنا فقط أدفع لك، أو سأدفع لك، ضعف ما ستحصلين عليه من هذه الصحيفة. أنا أفترض أن علاقتك بها مادية بحتة. إنك تعملين من أجلها لأنك تحصلين على مبلغ معين من المال؛ إذا وجد مدير التحرير أحدا سيفعل المهمة نفسها بمقابل أرخص، فسيعين على الفور بها، وسيستغني عن خدماتك. أليس هذا صحيحا؟» «بلى، هذا صحيح.» «رائع جدا، إذن، مسألة الواجب لا محل لها في هذا الإطار. لقد أرسلوك في مهمة ستكون لمعظم الناس صعبة جدا. وقد نجحت فيها. أنت، بالتالي، لديك في حوزتك شيء يمكن بيعه. ستدفع الصحيفة الأمريكية مبلغا نقديا معينا من أجل ذلك. وأنا سأعرض، لنفس هذا الشيء، ضعف المبلغ الذي ستدفعه لك صحيفة «نيويورك آرجوس». أليس هذا عرضا رائعا؟»
قامت جيني بروستر من مكانها. وأخذت تشبك يديها ثم تفك تشبيكها بعصبية. ولمدة قصيرة من الوقت، ساد الصمت، وتصورت إديث لونجوورث أنها قد حققت هدفها. نظرت السيدة الواقفة إلى الأخرى الجالسة.
سألت الآنسة بروستر: «هل تعرفين كل التفاصيل الخاصة بمحاولة الحصول على هذه المعلومات؟» «أنا أعرف بعضها. ما التفاصيل التي تقصدينها؟» «هل تعرفين أن رجلا من صحيفة «آرجوس» حاول الحصول على هذه المعلومات من السيد كينيون والسيد ونتوورث في كندا؟» «نعم؛ أعلم هذا.» «هل تعلمين أنه سرق التقريرين، وأنهما أخذا منه قبل أن يستغلهما؟» «نعم.» «هل تعلمين أنه عرض على السيد كينيون والسيد ونتوورث ضعف المبلغ الذي كانت شركة لندن سينديكيت ستدفعه لهما، بشرط أن يطلعاه على خلاصة التقريرين؟» «نعم، أعلم هذا أيضا.» «هل تعلمين أنهما، بفعلهما ما طلبه منهما، ما كانا سيؤخران ولو ليوم واحد تقديم التقرير الحقيقي للناس الذين استعانوا بخدماتهما؟ أنت تعرفين كل هذا، أليس كذلك؟» «بلى؛ أنا أعلم كل هذا.» «رائع جدا، إذن. أنت الآن تطلبين مني أن أفعل أكثر مما طلبه ريفرز منهما؛ لأنك تريدين مني أن أخفي تماما تقريري عن المعلومات التي حصلت عليها. أليس الأمر كذلك؟» «نعم، يمكنك إخفاء هذه المعلومات حتى يقدم التقرير للمديرين؛ وحينها ، بالطبع ، يمكنك فعل ما تريدين بها.» «آه، لكن بحلول ذلك الوقت، ستكون بلا أي فائدة. وبحلول ذلك الوقت، سيجري نشرها في صحف لندن المالية. وفي ذلك الوقت، سيكون بإمكان أي أحد الحصول عليها. أليس هذا هو الوضع؟» «أظن هذا.» «والآن، أريد أن أسألك سؤالا آخر، يا آنسة ... آنسة ... أنا لا أعتقد أنك قد أخبرتني باسمك.» «اسمي إديث لونجوورث.» «حسنا جدا، آنسة لونجوورث. أريد أن أسألك سؤالا آخر. ما رأيك فيما فعله السيد كينيون والسيد ونتوورث عندما رفضا الحصول على ضعف مقابل ما كانوا سيتقاضونه من أجل إتمام التقرير؟»
كررت الفتاة قولها: «ما رأيي فيهما؟» «نعم؛ ما رأيك فيهما؟ أنت ترددت في الرد. أنت لا تعرفين ماذا تقولين. أنت تعتقدين أن السيد ونتوورث والسيد كينيون تصرفا على نحو نبيل برفضهما عرض ريفرز، أليس كذلك؟» «بالطبع، بلى.» «وأنا كذلك. أعتقد أنهما تصرفا على نحو صحيح، وفعلا مثلما يفعل الرجال الشرفاء. والآن، بما أنك، آنسة لونجوورث، تعتقدين هكذا، فكيف تجرئين على المجيء إلي وعرض ضعف أو ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف المبلغ الذي تدفعه لي صحيفتي للحصول على هذه المعلومات؟ هل تعتقدين أنني أقل نزاهة من كينيون أو ونتوورث؟ إن عرضك إهانة لي؛ لا أحد سوى امرأة، وامرأة من طبقتك، كان سيمكنه تقديمه. ما كان كينيون سيستطيع تقديمه. ولا حتى ونتوورث كان سيمكنه ذلك. أنت أتيت إلى هنا لرشوتي. أنت جئت إلى هنا لتفعلي نفس الشيء الذي حاول جيه كيه ريفرز فعله لصالح صحيفة «آرجوس» في كندا. أنت تعتقدين أن المال سيشتري أي شيء؛ هذا ما يعتقده أفراد طبقتك. والآن، أريد أن تعرفي أنني امرأة من عامة الشعب. لقد ولدت ونشأت في فقر في نيويورك. أما أنت، فقد ولدت ونشأت في ترف في لندن. لقد عانيت الحرمان والمصاعب التي لا تعرفين شيئا عنها، وحتى لو قرأت عنها، فلن تعيها. أنت، بوقاحة طبقتك، تعتقدين أن بإمكانك أن تأتي إلي وترشيني لأخون رب عملي. أنا هنا من أجل أن أفعل شيئا معينا، وسأفعل هذا الشيء بغض النظر عن كل الأموال التي يمتلكها كل آل لونجوورث، أو سيمتلكونها يوما. هل أوضحت موقفي بالقدر الكافي؟» «نعم، يا آنسة بروستر. أنا لا أعتقد أن أحدا يمكنه إساءة فهم ما قلت.» «حسنا، يسرني ذلك لأن المرء لا يمكنه أبدا تحديد مدى حمق بعض الأشخاص.» «هل تعتقدين أن هناك أي تشابه بين حالتك وحالة السيد ونتوورث؟» «بالطبع، هناك تشابه. كلانا أرسل للقيام بمهمة عمل محددة. وكلانا قام بواجبه. وكلانا عرضت عليه رشوة ليغش رب عمله فيما يتعلق بنتائج مهمته؛ فقط في حالتي الأمر أسوأ كثيرا مما هو عليه في حالة ونتوورث؛ لأن أرباب عمله ما كانوا سيعانون، أما أرباب عملي، فسيعانون.» «هذا كله معقول جدا، آنسة بروستر، لكن دعيني الآن أخبرك أن ما فعلت كان شيئا مخزيا للغاية، وأنك وصمة عار على نساء عالمنا. لقد استطعت، أثناء مدة تعارف قصيرة جدا، أن تكسبي ثقة رجل؛ هناك نوع من النساء يعرف كيف يفعل ذلك، أشكر الرب أنني لست من هذا النوع؛ فأنا أفضل الانتماء إلى الفئة التي كنت تذمينها للتو. بعض الرجال لديهم احترام أصيل لكل النساء؛ يبدو أن السيد ونتوورث واحد من هؤلاء، وبينما هو يأخذ حذره مع أي رجل، فإنه لا يكون كذلك مع أي امرأة. وقد استغللت ذلك، واستطعت الحصول منه على معلومات معينة تعرفين أنه ما كان سيقولها لك لو كان يعلم أنه سيجري نشرها. لقد سرقت تلك المعلومات بالطريقة الشائنة نفسها التي سرق بها هذا الرجل المستندات من جيب السيد كينيون. أنت تتحدثين عن شرفك وعن أمانتك رغم قيامك بهذا الشيء البغيض! أنت تتشدقين بالحديث عن غير قابليتك للرشوة رغم أنها الطريقة الوحيدة الممكنة لجعلك تفعلين ما هو صحيح وعادل ونزيه! إن سلوكك يجعلني أشعر بالخزي من كوني امرأة. أستطيع أن أفهم أن امرأة سيئة تماما يمكنها فعل هذا، أما امرأة مثلك، فلا؛ لقد استغللت كونك امرأة وكونك جميلة وأن لديك أسلوبا جذابا في التعامل. لقد استخدمت هذه الميزات كما يستخدم اللص أو المزور القدرات الخاصة التي وهبها الله له. كيف تجرئين على التظاهر ولو للحظة بأن حالتك مماثلة لحالة السيد ونتوورث؟ إن السيد ونتوورث رجل محترم، قام بمهمة محترمة؛ أما أنت ومهمتك، فليس لدي كلمات يمكنها التعبير عن احتقاري لكل منهما. إن النشل أمر أكثر احتراما عند مقارنته بما فعلته.»
قامت إديث لونجوورث من مكانها، ووجهها محمر ويداها مشبكتان. لقد تحدثت بحدة ندمت عليها بشدة عندما فكرت في الأمر بعد ذلك؛ لكن شعورها بالمرارة وخيبة الأمل لفشلها في مهمتها، التي كانت قبل لحظات تثق من النجاح فيها، تغلب عليها. وقفت خصمتها أمامها، غاضبة وشاحبة. في البداية، ظنت إديث لونجوورث أن الصحفية ستضربها، لكن حتى إذا كانت هذه الفكرة قد أتت على بالها، فلم تنفذها. ولبضع لحظات، لم تتحدث أي منهما، ثم قالت جيني بروستر، بنبرة هادئة على نحو غير طبيعي: «أنت حرة في رأيك في، يا آنسة لونجوورث، وأعتقد أنني حرة في رأيي في كينيون وونتوورث. إنهما أحمقان، وأنت حمقاء في اعتقادك أن بإمكانك التحكم في أفعال امرأة عندما فشل في ذلك رجلان. هل تعتقدين للحظة بأنني سأمنحك أنت، المرأة التي تنتمي إلى طبقة أكرهها، ما لم أمنحه لرجل مثل ونتوورث؟ إنهم يقولون إنه لا حماقة تعدل حماقة الرجل العجوز، لكن يجب أن يقولوا إنه لا حماقة تعدل حماقة السيدة الشابة التي تعتقد أن بإمكانها أن تسير كل شيء كما تريد في هذا العالم. أنت ...» «لن أبقى كي أستمع لشتيمتي. أرجو ألا يجمعني بك أي شيء أكثر من ذلك.»
قالت الفتاة الأخرى، واضعة ظهرها أمام الباب: «أوه، كلا! ستبقين.» ثم أضافت: «لقد أتيت إلى هنا برغبتك، وستغادرين برغبتي أنا. سأخبرك بحقائق في خمس دقائق أكثر مما سمعت من قبل في حياتك. سأخبرك، في المقام الأول، بأن عملي محترم تماما مثل عمل كينيون أو ونتوورث. ما الذي يفعله كينيون سوى محاولة الحصول على معلومات عن المناجم التي يسعى بشدة أناس آخرون لإخفائها عنه؟ وما الذي يفعله ونتوورث سوى البحث وسط الحسابات مثل المحققين محاولا التوصل لما يحاول أناس آخرون إخفاءه؟ وما أمر المناجم بأكمله سوى عملية تلاعب كبيرة، عدوها الأكبر هو الصحافة؟ لا عجب أن كل من له علاقة بمجال التعدين يخاف النشر. إذا كان أبوك قد كون ثروته من المناجم، فقد قام بذلك ببساطة بالتلاعب بالضحايا سيئي الحظ. أنا أقوم بعملي بطريقتي، وصديقاك يقومان بعملهما بطريقتهما. ومن بين العملين، أرى أن مهنتي هي الأكثر نزاهة. والآن، وبعد أن استمعت إلى ما كان علي قوله، فيمكنك المغادرة، ودعيني أقل لك إنني لا أتمنى رؤيتك أو الحديث إليك مرة أخرى.» «أشكرك على السماح لي بالمغادرة. وأتمنى أيضا من كل قلبي ألا أقابلك ثانية. لكن يجب أن أقول إنني آسفة على الحديث إليك بالطريقة التي تحدثت بها. من المستحيل، بالطبع، لك أن تنظري للأمر من وجهة نظري، كما أنه من المستحيل لي أن أنظر له من وجهة نظرك. ومع ذلك، أرجو أن تنسي ما قلته، وأن تفكري في الأمر مرة أخرى، وإذا رأيت أن من صالحك قبول عرضي، فسيكون متاحا لك دائما. إذا تغاضيت عن إرسال تلك البرقية، فأنا على استعداد لأن أدفع لك ثلاثة أضعاف ما كانت صحيفة «نيويورك آرجوس» ستدفعه لك مقابل هذا الأمر. أنا لا أعرض عليك هذا العرض باعتباره رشوة؛ أنا أعرضه عليك فقط حتى لا تعاني من فعل ما أرى أنه تصرف عادل. يبدو لي أنه من المؤسف أن يتعرض الشابان لهزة عنيفة تعوق مسيرتهما في العمل لأن أحدهما كان غبيا بما يكفي بحيث يفضي بسر إلى امرأة كان يثق بها.»
كانت إديث لونجوورث صغيرة السن، ومن ثم لم تكن لديها البراعة الكافية للتعامل بدبلوماسية شديدة، لكن كان يمكنها أن تعرف أن الجملة الأخيرة التي قالتها قد أفسدت تأثير كل ما قالته قبلها. «في الحقيقة، آنسة لونجوورث، كنت أكن لك بعض الاحترام عندما انفجرت في بالطريقة التي قمت بها؛ ولكن، الآن، عندما كررت بهدوء عرضك الخاص بالرشوة، مضيفة ضعفا ثالثا إليه، تبدد كل احترامي لك. يمكنك الذهاب وإخبار من أرسلك أن لا شيء في هذا العالم يمكنه منعي من إرسال تلك البرقية.»
لكن الآنسة بروستر، بقولها هذا، تكون قد تجاوزت بعض الشيء بشأن علمها. لا يمكن سوى للقليل منا توقع ما يحدث وما لا يحدث في هذا العالم.
الفصل الحادي عشر
Shafi da ba'a sani ba