Daular Musulunci da Wuraren Tsarki
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Nau'ikan
وكانت كنيسة القبر - كما بنيت في ذلك العهد - مستديرة قامت فوقها قبة جميلة. أما كنيسة الفداء أو كنيسة الصلب، فكانت مستطيلة شيدت فوقها قبة هي الأخرى، وأقيم الصليب الذي قيل إن المسيح افتدى عليه خطايا الخلق في المرتفع القائم بين الكنيستين. •••
تم بناء الكنيستين سنة 336 للميلاد، وظلتا قائمتين إلى سنة 614، إذ أصابهما الفرس بتلف جسيم، ونقلوا الصليب الأعظم إلى بلادهم، وذلك حين دخلوا بيت المقدس في حكم كسرى، على أن هذا الحكم لم يطل عهده؛ فقد انتصر هرقل على الفرس في سنة 625، فأصلح عامله على بيت المقدس ما تلف من الكنيستين استعدادا لدخول هرقل المدينة المقدسة ورده الصليب الأعظم إلى مكانه.
ودخل العرب فلسطين في عهد أبي بكر الصديق، ثم فتحوا بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب، فلم يتعرضوا للمعابد المسيحية بأذى، وبقيت كنائس بيت المقدس في عزها وكرامتها.
أفكانت الكنيستان قائمتين حين فتح عمر بيت المقدس، أم أنهما كانتا أدمجتا في كنيسة واحدة؟ ليس من اليسير القطع في الأمر برأي، فمنذ القرن الثامن الميلادي، لم يذكر أحد ممن حجوا بيت المقدس كنيسة الصليب، وإنما كانوا يذكرون جميعا كنيسة القيامة، أترى هدمت كنيسة الصليب قبل الفتح العربي أو بعده بقليل؟ أم أن كنيسة القيامة أصبحت ذات مكانة خاصة أنست الحجيج من المسيحيين الكنيسة الأخرى؟ لست أبدي في الأمر رأيا. •••
وفي أوائل القرن الحادي عشر أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، فهدمت كنيسة القيامة حتى لم يبق منها إلا أطلال، لكن ما أصاب الكنيسة المسيحية المقدسة من هذا الشر لم يدم طويلا، فقد استولى الصليبيون على بيت المقدس في أواخر ذلك القرن الحادي عشر، وأعادوا بناء الكنيسة على نحو من الفخامة ووسعوا رقعتها، ثم جعل المسيحيون من بعدهم يضيفون إليها على الأجيال، حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم من فسحة وفخامة وجلال.
أكثر المواضع قدسية في كنيسة القيامة موضع القبر الذي دفن فيه السيد المسيح بين وفاته وصعوده، وهو يقع إلى يسار الداخل إلى الكنيسة، بعد خطوات من بابها. وقد بولغ في تجميل عمارته وفي تزيينه وترصيعه مبالغة تدعونا لنذكر بساطة المسيح في حياته، ولنعجب كيف تؤدي هذه البساطة إلى كل تلك الزينة، وإلى هذا التأنق الفني في نحت القبر من أبدع الرخام، وفي إضاءته على نحو لم يدر بخاطر صاحب القبر، ولا بخاطر أحد من حوارييه! ولكن فيم العجب وليست كنيسة القديس بطرس بروما دون كنيسة القيامة جلالا وبهاء وروعة؟ وفيم العجب والمسجد النبوي بالمدينة لا يتفق جمال عمارته في شيء مع بساطته يوم شاده النبي من اللبن، وجعل سقفه وعمده من جذوع النخل؟! •••
وكنيسة القيامة - فيما وراء قبر السيد المسيح - مضرب للمثل في الفخامة والمهابة والجلال، وليست مبالغة المسيحيين في إكبارها وتعظيم عمارتها مما يوجب أية دهشة، ولا يرجع ذلك إلى مكانتها المقدسة من نفوسهم فحسب، بل يرجع كذلك إلى ما احتملوه خلال الحروب الصليبية من تضحيات جسام، جعلتهم يودعون فيها ذكر هذه التضحيات التي بذلت نداء للعقيدة، كما ضحى المسيح بنفسه - في اعتقادهم - ليفتدي بدمه خطايا الناس جميعا.
تمتاز كنيسة القيامة على غيرها من الكنائس بأنها لا تقتصر على الفناء والمذبح والهيكل، بل لقد أقيم بجوارها بناء متصل بها يرتفع سطحه عن سطحها. ويذكر بعض القائمين بشئونها أنه أقيم حيث المرتفع الذي صلب عليه السيد المسيح، والذي كان يصلب عليه من حكم عليهم في عهده، وهذه الرواية موضع ريبة في نظر كثيرين من المسيحيين الذين يؤمون بيت المقدس، ويحاولون تحقيق مواضع الأماكن المقدسة فيها تحقيقا علميا، فهؤلاء لا يذهبون مذهب من يرتاب في صحة مكان القبر، ولكنهم يقطعون بأن هذا البناء المرتفع المتصل بالكنيسة، لا يذكر مكان الصلب في كثير ولا في قليل.
وتقع إلى جوار الكنيسة كنيسة أخرى صغيرة حفظت بها بعض آثار تنسب إلى عهد المسيح والحواريين، وباب هذه الكنيسة يفتح إلى الفضاء الواقع أمام باب القيامة. وليس شيء من الآثار المحفوظة بهذه الكنيسة الصغيرة ثابت النسب ثبوتا تاريخيا ذا قيمة، وما يرويه سدنة الكنيسة من ذلك، لا يعدو أن يكون من نوع القصص الذي يرويه سدنة كل معبد، يجذبون به قلوب المؤمنين ممن من الله عليهم بإيمان العجائز، أو بإيمان كإيمانهم. •••
هذان الأثران المسيحيان اللذان ذكرتهما - كنيسة القيامة وكنيسة المهد - هما اللذان يضارعان ما تحدثت عنه من الآثار الإسلامية بالحجاز وفلسطين في فن العمارة، وكما أن بالحجاز أماكن إسلامية لها من القدسية ما يستهوي إليها قلوب المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج، فإن بفلسطين وحول بيت المقدس نفسها أماكن لها في قلوب المسيحيين قدسية كبرى.
Shafi da ba'a sani ba