Daular Musulunci da Wuraren Tsarki
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Nau'ikan
قلنا إن الكعبة أقدم الأماكن المقدسة، وإنها أول بيت وضع للناس، فقد كان العرب في الجاهلية يحجونها على اختلاف نحلهم، ويعتبرونها المكان الذي يقبل فيه التوجه إلى الله، وتقبل فيه توبة التائب، كان لبعض قبائل العرب أماكن كالكعبة تعظمها وتحج إليها، وكان لكل قبيلة صنم تتخذه إلى الله زلفى، لكنها كانت جميعا تقدر أن الحج المقبول عند الله هو الحج إلى بيته بمكة. فإذا اكتفى رجل القبيلة بالتعبد لصنمه، أو بحج البيت القائم بالطائف إن كان من ثقيف مثلا، لم يكن قد أدى ما عليه من فرائض العبادة أداء كاملا، ولا بد له من زيارة البيت العتيق ليتم حجه وتقبل توبته.
ولما تغلبت الحبشة على اليمن، وحكمها أبرهة، ظن أنه يستطيع أن يصرف أهل اليمن عن بيت مكة إذا هو أقام لهم بصنعاء بيتا يحجونه ويولون وجوههم شطره. وأقام بصنعاء بيتا له من الجمال ومن دقة الفن ما لم يكن لبيت مكة الذي تنزه ببساطته عن مجالي الفن، فلم ينصرف أهل اليمن مع ذلك إلى بيت أبرهة عن البيت العتيق، بل ظلوا مؤمنين بأن هذا البيت القائم بمكة هو وحده الذي يقبل فيه التوبة إلى الله، وتقبل فيه توبة التائب.
وكانت الأشهر التي تعارف عليها العرب قبل الإسلام على حج البيت فيها حرما، لا يحل فيها قتل ولا قتال، فإذا برز الناس للحج من أنحاء شبه الجزيرة، وتخطوا أعلام الحرم، لم يجز لأحد أن يقتل أو يقاتل، ووجب على الجميع أن يلوذوا بأهداب السلام، وأن يقفوا من مناوآتهم ومناوشاتهم عند الفخر والتفاخر على نحو ما كان يقع بعكاظ وبغيرها من أسواق العرب، فإذا حدثت أحدا نفسه بالجريمة في الأشهر الحرم فهو آثم قلبه.
لذلك وجد النبي - عليه السلام - فرصة الدعوة إلى دين الله في هذه الأشهر الحرم، حين قاطعته قريش وألزمته وأصحابه بمكة شعبا من شعاب الجبل ثلاث سنوات متوالية، في هذه الفترة الدقيقة من حياة الدين الناشئ، كان الرسول يخرج إلى الناس في الأشهر الحرم، آمنا عدوان خصومه عليه، وكان يعرض نفسه على القبائل يدعوها إلى دين الله، مطمئنا إلى أنه في حمى بيت الله.
وكان المسلمون قبل الهجرة يعظمون البيت كما يعظمه غيرهم من سائر العرب. ومن يوم أسلم عمر بن الخطاب لم يرض عن استخفاء المسلمين وذهابهم إلى شعاب مكة، يقيمون الصلاة فيها بعيدين عن أذى قريش، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه. فلما هاجر رسول الله والمسلمون معه إلى المدينة، بقي حنينهم إلى بيت الله بمكة يستحثهم إلى زيارته، وظل ذلك دأبهم حتى ذهبوا عام الحديبية لحج البيت. فلما صدتهم قريش ذلك العام ذهبوا العام الذي بعده، وفتح الله مكة بعد ذلك لدينه ولنبيه، فأصبح للمسلمين من الحرية في حج البيت ما لغيرهم، وظل ذلك شأنهم إلى أن كان العام الذي سبق وفاة الرسول، والذي حرم بعده على غير المسلمين أن يطوفوا بالبيت العتيق.
قبل الإسلام وبعده
وإنما اختلف أمر الكعبة في الإسلام عنه في الجاهلية بعد فتح مكة؛ لأنها كانت في الجاهلية موئل الأصنام، وكانت تهدى إليها نفائس تحفظ في داخلها، وكانت بعض الأصنام قطعا من الفن، كان هبل مصنوعا من العقيق على صورة الإنسان، فلما كسر ذراعه أبدله القرشيون منه ذراعا من ذهب. وكانت بئر زمزم مطموسة ثلاثة قرون في الجاهلية، فأعاد عبد المطلب جد النبي حفرها، فأخرج منها غزالتين من الذهب كانتا مخبوءتين فيها. وكانت الملائكة مصورة على جدران الكعبة في صورة النساء، وكان لإبراهيم صورة يستقسم فيها بالأزلام. فلما فتح النبي مكة عفى على هذا كله، وطهر الكعبة من كل صنم وصورة، وأبقاها في بساطتها مثابة للناس وأمنا.
وللمسجد الحرام قدسية تتصل بقدسية الكعبة، وهو اليوم فسيح لبضعة آلاف من الأمتار، يتجاوز في صحته الرخام والحصباء، ويمتد النظر في كل ناحية منه حتى تفقه عمد بينها وبين جدرانه بضعة أمتار، وتقوم فوق العمد والجدران قباب تحمي من بالمسجد من الشمس والمطر، وهو لم يبلغ سعته هذه في عهد النبي ولا في عهد أبي بكر، ولم يزد عمر وعثمان في مطاف الكعبة إلا قليلا، ولم يرفعا حوله بناء كالذي نراه اليوم، وإنما أحيط المطاف في عهدهما بجدار قصير وكان غير مسقوف.
وفي المطاف كان المسلمون يقيمون الصلاة، فلما اتخذ الأمويون دمشق عاصمتهم، ورأوا عناية النصارى بكنائسهم وعمارتها وزينتها، رأوا أن يجعلوا للمسجد الحرام مثل هذه العناية. وكان عبد الملك بن مروان أول من أمر في سنة خمس وسبعين للهجرة، فرفعت جدر المسجد وسقف بخشب الساج الداكن المتين. وزاد الوليد بن عبد الملك في عمل أبيه، فوسع المسجد وزخرف السقف، وأزر أسفل جدرانه بالرخام، وجعل له شرفا.
وجاء العباسيون فزادوا في رقعة المسجد إلى ضعف ما كان عليه، وزينوه بالذهب وأنواع النقوش، وكانت الكعبة في جانب من المسجد، فأمر المهدي أن تكون في وسطه، ونفذ المهندسون أمره مع الاحتياط للسيول حتى لا تطغى على البيت الحرام. وظل المسجد بعد ذلك موضع العناية من جانب الأمم الإسلامية في مختلف العصور إلى وقتنا الحاضر.
Shafi da ba'a sani ba