Imani da Sani da Falsafa
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Nau'ikan
لكن الانتقال من الفلسفة الثيولوجية إلى الفلسفة الوضعية لا يتم بالطفره أبدا. فإن التعارض بينهما بين وواضح، وعقلنا لا يحتمل تغييرا ذلك مبلغه دفعة واحدة؛ لهذا قامت الحال الميتافيزيقية وسيلة بينهما. وتمتاز هذه الحال عن الآخرين بأن ليس لها مبدأ معين تعرف به. فبينا نرى الفلسفة الثيولوجية مكتفية بنفسها ذات وحدة متناسقة، تبقى لها ما دامت الجرثومة الوضعية الكمينة فيها لم تتحرك ولم تعمل عملها. وبينا ستكون الحال الوضعية تامة التناسق كذلك. إذ الحال الميتافيزيقية ليست في تعريفها إلا خليطا منهما معا، قال كومت في سنة 1825: (إن الضرورات الميتافيزيقية ترجع إلى الثيولوجيا والطبيعة جميعا في وقت معا، أو هي على الصح ليست إلا الأولى قد حورتها الثانية).
14
فالميتافيزيقية في أشكالها الدائمة المتغيرة المستمرة التدرج إنما تقوم بالتوفيق الذي يستدعيه وجود الفلسفتين الثيولوجية والوضعية معا في النفوس، حتى تصل الفلسفة الوضعية حد كمالها. ولقد تسنى للطريقة العلمية أن تتقدم في غزواتها تحت ستار من الافتراضات الميتافيزيقية من غير أن تزعج أنصار الفلسفة الثيولوجية؛ وفضلا عن ذلك فإن للميتافيزيقية قوة نقدية غاية في النشاط كان لها فضل غير قليل في دهورة العقائد القديمة؛ ولهذا ينظر كومت إلى الأكثرين من فلاسفة القرن الثامن عشر الفرنسيين كأحسن الممثلين للروح الميتافيزيقية.
على أنه إذا كان يجب رد هذه الحال الوسط إلى أي من الطرفين، فإن كومت لا يتردد في ردها إلى الحال الثيولوجية، ذلك بأن الفلسفة الميتافيزيقية تحل الوحدات محل الإرادات والطبيعة محل الخالق، ولكنها تجعل وظيفة وحداتها وطبيعتها مشابهة أكبر الشبه لإرادات الثيولوجيا وللخالق فيها. إذن فتفسير الواقع يبقي الغرض الذي ترمي إليه، وإن كان قد أضعفه ذلك الشعور المتزايد بضرورة وجود القوانين الطبيعية. وتكون هذه الطريقة العقيمة بذلك قد استبقت الثيولوجيا، وإن كانت قد قتلت الركن العقلي الأهم منها بإنكار نتائجها باسم المبادئ المقررة؛ ولهذا لم يكن ثمة ما يضمن عدم عودة الصور الثيولوجية عودة عدوانية إذ لم تكن الأفكار الوضعية قد حلت محلها. وسيرى القارئ أن المعركة الفاصلة بين الروح الثيولوجية والروح الوضعية ستضم الميتافيزيقيين والإلهيين جميعا في «مركز التقهقر»؛ مما يحقق ما قاله كومت من عدم وجود أي تضامن، سواء في التاريخ أو في المبادئ بين الفلسفة الوضعية، وتلك الفلسفة السلبية فلا تستطيع الأولى أن ترى في الثانية إلا تطورا أخيرا تمهيديا من تطورات الفلسفة الثيولوجية.
15
فالحال الميتافيزيقية لا يمكن أن تكون إذن إلا صلحا غير ثابت. وبقاؤها إنما يكون رهنا باستمرار تغيرها وتبدلها. وإن ما ينشأ عن ذلك من عدم وجود مبدأ يكون قوامها ليجعلها نقدية بحتة. ومن ثم فلا يكون لدينا أصليا إلا فلسفتان أو طريقتان من طرائق التفكير وهاتان الفلسفتان الثيولوجية والوضعية هما وحدهما اللتان تسمحان للعقل بإنشاء مذهب من أفكار منطقية متناسقة يصلح أساسا للخلق وللديانة، فالروح الثيولوجية خيالية في سيرها، مطلقة في تصوراتها، تحكمية في تطبيقها. وأما الروح الوضعية فتحل طريقة الملاحظة مكان الخيال والأفكار النسبية محل الأفكار المطلقة. وهي لا تدعي لنفسها سلطانا لا حد له على ظواهر الطبيعة، بل تعلم أن قوتها إنما تقاس على مقدار ما تصل إليه من العلم. وتاريخ الإنسانية هو الذي يرينا الخطى التي تدرجت هي بها من طريقة التفكير الأولى إلى الطريقة الثانية. •••
يعتبر كومت قانون الحالات الثلاث ثابت الأساس. وإليك ما كتب في سنة 1839: (إن سبع عشرة سنة قضيتها دائم التفكير في هذا الموضوع العظيم مقلبا إياه على جميع وجوهه، آخذا فيه بكل احتياط ممكن تسمح لي أن أقرر من غير أي تردد علمي أن هذه القضية التاريخية ستكون ثابتة أبدا، وأحسبها الآن قد بلغت من كمال الثبوت ما بلغه أي أمر من الأمور العامة المسلم بها في الفلسفة الطبيعية).
16
ولن يمكن أن تكون يوما موضع شك إلا إذا عثر الإنسان على فرع من فروع معلوماتنا ارتد من الحال الميتافيزيقية إلى الحال الثيولوجية، أو من الحال الوضعية إلى أي من الحالتين السابقتين. لكن ذلك أمر لم يعرض أبدا، كما أن إثبات هذا القانون من الوجهة النظرية قد دل على أنه لا يمكن أن يعرض مطلقا.
ولقد أظهر هذا الإيضاح أن تعاقب هذه الأحوال الثلاث في نظام لا يتغير هو السبيل المحتوم لترقي الذهن الإنساني في تعرف الظواهر، وأنه حاصل بطبيعة العقل. ومن رأي كومت أن قانون الحالات الثلاث بسيكولوجي بمقدار ما هو تاريخي.
Shafi da ba'a sani ba