357

على الآخرة كالغائب يقدم على أهله من سفر بعيد. وأما قدوم المسيء فكالعبد الآبق[ (1) ]، يؤخذ فيشد كتافه، فيؤتى به إلى سيد فظ غليظ، فإن شاء عفا، وإن شاء عذب. فبكى سليمان بكاء شديدا، وبكى من حوله. ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟فقال: اعرض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله. قال سليمان: يا أبا حازم، وأين أصيب تلك المعرفة في كتاب الله، قال عند قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم، `وإن الفجار لفي جحيم) [الانفطار: 14-13]. قال سليمان: يا أبا حازم، فأين رحمة الله؟قال: رحمة الله قريب من المحسنين ، قال سليمان: يا أبا حازم من أعقل الناس؟قال أبو حازم:

أعقل الناس من تعلم العلم والحكمة وعلمهما الناس. قال سليمان: فمن أحمق الناس؟فقال: من حط في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: فما أسمع الدعاء؟قال أبو حازم: دعاء المخبتين[ (2) ]الخائفين. فقال سليمان: فما أزكى الصدقة عند الله؟قال: جهد المقل[ (3) ]. قال: فما تقول فيما ابتلينا به؟قال: أعفنا عن هذا وعن الكلام فيه أصلحك الله، قال سليمان:

نصيحة تلقيها[إلي]. فقال: ما أقول[ (4) ]في سلطان استولى عنوة بلا مشورة من المؤمنين، ولا اجتماع من المسلمين؟فسفكت فيه الدماء الحرام، وقطعت به الأرحام، وعطلت به الحدود، ونكثت به العهود، وكل ذلك على تنفيذ الطينة[ (5) ]، والجمع لمتاع الدنيا المشينة، ثم لم يلبثوا أن ارتحلوا عنها، فيا ليت شعري ما تقولون؟وما ذا يقال لكم؟فقال بعض جلسائه: بئس ما قلت يا أقور، أمير المؤمنين يستقبل بهذا؟فقال أبو حازم: اسكت يا كاذب، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون، إن الله قد أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، أي لا ينبذونه وراء ظهورهم. قال سليمان: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ما فسد منا؟فقال: المأخذ في ذلك قريب يسير يا أمير المؤمنين، فاستوى سليمان جالسا من اتكائه. فقال: كيف ذلك؟فقال: تأخذ المال من حله، وتضعه في أهله، وتكف الأكف عما نهيت، وتمضيها فيما أمرت به. قال سليمان: ومن [ (1) ]الآبق: الهارب من سيده.

[ (2) ]في حلية الأولياء 3/235: قال: دعاء المحسن للمحسنين.

[ (3) ]زيد في حلية الأولياء: جهد المقل إلى يد البائس الفقير لا يتبعها من ولا أذى.

[ (4) ]في حلية الأولياء: قال: إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر فأخذوه عنوة.

[ (5) ]يريد: الطبيعة الإنسانية التي جبلت بالأنانية وحب السيطرة والسلطة.

Shafi 122