فلم يتمالك هشام نفسه، وقال في غلظة: ومثلك يأمر مثلي بتقوى الله؟!
قال زيد: إن الله لم يرفع أحدا فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولم يضع أحدا دون أن يأمر بتقوى الله! فقال هشام: هذا تحقيق لما رفع إلي عنك. ومن أمرك أن تضع نفسك في غير موضعها وتراها فوق مكانها ؟ فترفع على نفسك واعرف قدرك، ولا تشاور سلطانك ولا تخالف على إمامك.
فقال الإمام زيد بكل تحد: من وضع نفسه في غير موضعها أثم بربه، ومن رفع نفسه عن مكانها خسر نفسه، ومن لم يعرف قدره ضل عن سبيل ربه، ومن شاور سلطانه وخالف إمامه هلك، أفتدري يا هشام من ذلك؟ ذلك من عصى ربه، وتكبر على خالقه وتسمى باسم ليس له، وأما الذي أمرك بتقوى الله فقد أدى إلى الله النصيحة فيك، ودلك على رشدك!
فوثب هشام من مجلسه، وقام قائلا: أخرجوه من مجلسي، ولا يبيتن في عسكري.
فقال له زيد: لا تجدني إلا حيث تكره! وخرج الإمام زيد وهو يقول كلمته الشهيرة: "والله ما كره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا "، وفي رواية: " من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء ".
فقال هشام لأعوانه مؤكدا الحقيقة التي لا بد منها: ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ؟ هيهات ما ذهب قوم هذا خلفهم (1)!
خط سير المعركة:
...
اتخذت دعوته منحى سريا مغايرا لمنحى الحسين (ع)، فقد عرف زيد (ع) أن إعلان الدعوة قد تجعل بني أمية يترصدون له فيعينوا أنصاره على خذلانه كما فعلوا مع جده الحسين (ع).
Shafi 9