الدويبة كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الانسان إلا بالحيلة واستعمال الآلات ، فلا تزدر بالشيء اذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك ، فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير فلا يضع منه ذلك ، كما لا يضع من الدينار وهو ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.
ثم أنه عليه السلام استطرد ذكر الطائر وكيف خفف جسمه وأدمج خلقه وجعل له جؤجؤا ليسهل عليه أن يخرق الهواء الى غير ذلك من خصوصيات خلقته ، والحكمة في خلق تلك الخصوصيات ، وهكذا يستطرد الحكمة في خصوصيات خلقة الدجاجة ، ثم العصفور ، ثم الخفاش ، ثم النحل ، ثم الجراد ، وغيرها من صغار الطيور ، وما جعله الله فيها من الطبائع والفطن والهداية لطلب الرزق ، وما سوى ذلك مما فيها من بدائع الخلقة.
ثم استعرض خلق السمك ومشاكلته للأمر الذي قدر أن يكون عليه ، ثم يقول عليه السلام : فاذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين ، فانظر الى ما في البحار من ضروب السمك ودواب الماء والاصداف والأصناف التي لا تحصى ولا تعرف منافعها إلا الشيء بعد الشيء يدركه الناس بأسباب تحدث ... إلى آخر كلامه ، وبه انتهى هذا الفصل.
أقول : ليس العجب من خالق أمثال هذه الذرة والدودة وأصناف الأسماك الغريبة ، التي اختلفت اشكالها ، وتنوعت الحكمة فيها وليس العجب ممن يهتدي الى الحكمة في كل واحد من تلك المصنوعات بعد وجودها وتكوينها ، وإنما العجب ممن ينكر فاطر السموات والأرضين وما فيهن وبينهن مع اتقان الصنعة ، وإحكام الخلقة ، وبداعة التركيب ، ولو نظر الجاحد الى نفسه مع غريب الصنع وتمام الخلق لكان اكبر برهان على الوجود ووحدانية الموجود.
Shafi 158