243

Iliyadha

الإلياذة

Nau'ikan

الصلح بين أخيل وأجاممنون!

أما أخيل العظيم فقد انطلق مسرعا بحذاء شاطئ البحر، صائحا صيحات مرعبة، فأثار المحاربين الآخيين، واحتشدوا كلهم - حتى من اعتادوا منهم البقاء عند السفن، فيما مضى، من ملاحي السفن الذين يحسنون استخدام المجاذيف، والندل الذين يوزعون الطعام - كل أولئك أسرعوا إلى مكان الاجتماع؛ لأن أخيل ظهر هناك، رغم ابتعاده عن الحرب المفجعة مدة طويلة، وأقبل اثنان - من أتباع أريس - يعرجان، هما ابن توديوس الباسل في القتال، وأوديسيوس العظيم، كل يستند إلى رمحه لأن جراحهما لم تزل موجعة. فذهبا، وجلسا في صدر الحشد. وأخيرا أقبل أجاممنون، ملك البشر - بعد الجميع - مثخنا بجرحه، إذ أصابه كئون بن أنثينور، بطعنة من رمحه المكسو بالبرونز. فلما احتشد الجميع معا، نهض أخيل - السريع القدمين - وتكلم في وسطهم قائلا: «يا ابن أتريوس، أكان خيرا لك ولي، أن استبد الحقد بقلبينا في شقاق يفتك بالأرواح، من أجل فتاة؟ ليت أرتيميس كانت قد قتلتها بسهم، وسط السفن، في نفس اليوم الذي أخذتها فيه بين الغنائم، بعد أن خربت لورنيسيوس! إذ ذاك ما كان لكثير من الآخيين أن يضطروا إلى أن يعضوا الأرض بأسنانهم تحت أيدي الأعداء، بسبب شدة غضبي، لقد كان هذا أفضل لهكتور والطرواديين، أما الآخيون فيستذكرون - فيما أعتقد - الشقاق بيني وبينك، لأمد طويل. ومع كل، فلنغض النظر الآن عن كل هذه الأمور؛ لأنها مضت وانتهت، رغم كل ما بنا من آلام. ولنكبح جماح قلبينا في صدرينا. إن من واجبي أن أكف عن غضبي فليس من الصواب أن أظل غضبان إلى الأبد دون أن ألين. والآن، أسرعوا فاستفزوا الآخيين - الطويلي الشعر - إلى المعركة، حتى أستطيع الذهاب فورا لمواجهة الطرواديين، فأعجم عودهم من جديد، وأرى ما إذا كانوا لا يزالون متلهفين إلى قضاء الليل بالقرب من السفن. إني لأعتقد، أن كثيرين منهم سيسره أن يحني ركبتيه طلبا للراحة، وأولئك هم الناجون منهم من احتدام الحرب ومن رمحي!»

هكذا تكلم، فزادت غبطة الآخيين المدرعين جيدا، إذ طرح ابن بيليوس - العظيم الشجاعة - غضبه عنه. فقام بعده أجاممنون، ملك البشر، وتكلم من المكان الذي كان يجلس فيه، دون أن يقف وسطهم فقال: «أي أصدقائي، أيها المحاربون الدانيون، أتباع أريس، من اللائق أن نصغي لمن يقف للكلام، ولا يليق أن نقاطعه، فإن هذا شديد الوقع، مهما يكن الرجل ماهرا. وكيف يستطيع المرء أن يسمع أو يتكلم وسط ضجيج الكثيرين؟ إن هذا يعرقل أي حديث مهما يكن صوت صاحبه جهوريا. ولسوف أكشف ما بنفسي لابن بيليوس، ولكني أرجوكم أن تصغوا جيدا إلى كلامي! لقد أنحى على كل واحد من الآخيين باللائمة، وكانوا تواقين دائما إلى تعنيفي، ولكني لم أكن المذنب، وإنما كان السبب زوس والقدر وأيرينوس - الذي يسعى في الظلام - فهم الذين بثوا في نفسي الجنون الضاري، في ذلك اليوم، عندما أخذت من أخيل جائزته - في الاجتماع - بغروري وغطرستي، ولكن ماذا كان عساي أن أفعل؟ إن الرب هو الذي يسير بكل الأمور إلى عواقبها. إن كبرى بنات زوس - آتي - هي التي تعمي الجميع؛ فهي قوة مشحونة بالدمار قدماها رقيقتان، لأنها لا تمشي فوق الأرض، بل تسير فوق رءوس البشر، وتدفع بهم إلى الأذى، كما توقع هذا أو ذاك في حبائلها. بل إنها - في وقت ما - أعمت زوس نفسه، رغم أن البشر يقولون إنه الأعظم بين البشر والآلهة، بل إن «هيرا» كذلك - وهي ليست سوى أنثى - خدعته بمهارة، يوم أن كان على الكميني الطيبية، البديعة التتويج، أن تلد هرقل الجبار، في المدينة ذات الأسوار الجميلة، مدينة طيبة، فقال زوس بكبرياء وسط جميع الآلهة: «أصغوا إلي، يا جميع الآلهة والآلهات، كي أخاطبكم بما يجول في صدري. في هذا اليوم، ستجلب أيليثويا - ربة الميلاد - إلى النور، إنسانا سيكون سيدا على جميع من يسكنون حوله، إنه أحد نسل الرجال الذين هم من دمي»، فتحدثت إليه هيرا الجليلة في خبث ودهاء، قائلة: «إنك تغشني ولن تحقق رغبتي. هيا أيها الأوليمبي، أقسم لي الآن يمينا قوية بأن ذلك الرجل سيكون سيدا على جميع من يقطنون حوله، وأنه سيهبط - في هذا اليوم - بين ساقي امرأة، ولو كان واحدا من الرجال الذين هم من دم فصيلتك!»

هكذا قالت، فلم يفطن زوس إلى دهائها بحال من الأحوال، بل أقسم قسما عظيما، في غفلة تامة. وعندئذ اندفعت هيرا، هابطة على ذؤابة أوليمبوس، فبلغت أرجوس الآخية بسرعة، حيث كانت تعلم أن زوجة سثينيلوس بن بيرسيوس الجليلة، حبلى، وقد بلغت شهرها السابع. وقد أنزلت هيرا هذا الطفل إلى النور، قبل تمام شهور الحمل كلها، وأوقفت حمل الكميني وكبحت الإيليثوباي. وتحدثت هي نفسها إلى زوس بن كرونوس، قائلة: «أبتاه زوس، سيد البرق اللامع، سأنبهك بكلمة، لقد ولد الآن رجل جسور، سيكون سيدا على الأرجوسيين، هو يورسثيوس بن سثينيلوس بن بيرسيوس من سلسلة نسبك، وجدير به أن يكون سيدا على الأرجوسيين. فلما أفضت إليه بذلك القول، أصابه ألم حاد في أعماق قلبه، وفي الحال قبض على «آتي» من رأسها البراق الجدائل، غاضبا من نفسه، وحلف يمينا قوية بأن آتي لن تخطو ثانية إلى أوليمبوس السماء ذات النجوم؛ لأنها تعمي الجميع. هكذا أقسم. وأدارها في يده، ثم قذف بها من السماء ذات الكواكب، فوصلت بسرعة إلى حقول البشر المفلحة. ومع ذلك فقد ظل يتوجع من أجلها كلما شاهد ابنه العزيز يعاني تحت ربقة يوريسثيوس غير اللائقة. هكذا أنا أيضا ، فعندما كان هكتور العظيم - ذو الخوذة البراقة - يثير شغب الأرجوسيين عند مؤخر السفن، لم أستطع نسيان «آتي» التي أعمت بصيرتي من قبل. وعلى أية حال، فبما أنني خدعت وسلبني زوس رشدي، فإنني مصمم على إصلاح الأمور، وتقديم التعويض بما لا يعد ولا يحصى. هيا، انهض للقتال، وسأحرض معك بقية القوم. وإني هنا مستعد لأقدم إليك جميع الهدايا، التي وعدك بها أوديسيوس المجيد في تلك الليلة، عندما ذهب إلى كوخك. أو فانتظر لحظة - إذا شئت - رغم تلهفك إلى القتال، فسوف يحضر الخدم الهدايا من سفينتي، حتى ترى أنني سأعطيك ما يرضي قلبك.»

عندئذ أجابه أخيل السريع القدمين قائلا: «يا ابن أتريوس الأمجد، يا أجاممنون، ملك البشر، أما الهدايا فلك الخيار في أن تعطيها أو تحتفظ بها، فهذا موكول إليك، ولكن المهم أن نوطد العزم الآن على القتال بكل سرعة، فليس لنا أن نتلكأ هنا في الحديث، ولا أن نبطئ طالما هناك عمل عظيم لم يتم بعد عسى أن يرى الكثيرون - من جديد - أخيل وسط محاربي المقدمة، يبيد برمحه البرونزي كتائب الطرواديين، وعلى هذا النسق فليفكر كل منكم وهو يقتل رجله!»

فرد عليه أوديسيوس الكثير الحيل بقوله: «كلا، يا أخيل الشبيه بالإله فما ينبغي - رغم شجاعتك - أن تحرض أبناء الآخيين، بهذه الطريقة، على أن يذهبوا إلى طروادة على الطوى، ويقاتلوا الطرواديين. فليس القتال لفترة وجيزة، ولا هو ينتهي بمجرد أن تلتقي صفوف الرجال، وينفث الرب القوة في كل من الجيشين، وإنما مر الآخيين - في سفنهم السريعة - بأن يتناولوا طعاما وخمرا، ففيهما تكمن الشجاعة والقوة. وما من امرئ يستطيع أن يقاتل طوال اليوم كله - حتى تغرب الشمس - وهو صائم. إذ إن أطرافه خليقة بأن تتثاقل في غفلة منه - مهما يكن شوقه للقتال - ويهجم عليه الظمأ والجوع، ويزيد وهن ركبتيه وهو ذاهب. أما من تناول كفايته من الخمر والطعام، فيقاتل العدو اليوم كله، وقلبه منشرح في صدره، ولا تحس أطرافه بالوهن، إلى أن ينسحب الجميع من المعركة. فهيا اصرف الجيش. ومر المحاربين بأن يعدوا طعامهم. أما الهدايا فليحضرها أجاممنون - ملك البشر - إلى مكان الحشد، ليراها جميع الآخيين بعيون رءوسهم، ولينشرح قلبك. ولينهض وسط الأرجوسيين ويقسم لك يمينا بأنه لم يعتل مطلقا فراش تلك السيدة ولم يجامعها، كما هي الطريقة المتبعة - أيها الملك - بين الرجال والنساء، وعليك أن تروض قلبك على الهدوء في صدرك! وبعد ذلك ليصالحك في كوخه ويسترضك بوليمة فخمة للغاية، حتى لا يكون ثمة شيء ناقص من حقك. يا ابن أتريوس، سوف تكون بعد هذا أكثر عدلا مع الآخرين؛ لأنه ليس من العار في شيء أن يقدم الملك الصلح لغيره، عندما يكون قد أمعن في إغضابه بلا سبب.»

عندئذ تحدث إليه أجاممنون - ملك البشر - ثانية بقوله: «يا ابن لايرتيس، إنني لسعيد بأن أسمع كلماتك؛ إذ أحسنت عرض الأمر، ورويت الحكاية. أما هذه اليمين فإني على استعداد لأن أؤديها، ويأمرني قلبي بذلك، ولن أحنث في قسمي أمام الرب. وليبق أخيل هنا الآن - رغم تلهفه إلى القتال - ولتمكثوا أنتم جميعا سويا، إلى أن تحضر الهدايا من كوخي، ونقسم على الوفاء بالذبائح. وإنني لأوكل إليك أمر القيادة: فاختر بعض الشبان من أمراء جيش الآخيين، وأحضروا الهدايا من سفينتي، جميع ما وعدنا به أمس، لأعطيه لأخيل، وأحضروا النساء أيضا. ودعوا تالثوبيوس يعد في الحال خنزيرا بريا في معسكر الآخيين الفسيح، لنقدمه ذبيحة لزوس والشمس.»

فأجاب أخيل السريع القدمين قائلا: «يا ابن أتريوس الأمجد، أي أجاممنون، ملك البشر: يحسن إرجاء الاهتمام بهذا الأمر إلى وقت آخر، إلى فترة راحة إبان القتال - مثلا - عندما لا يكون حماس صدري هكذا عظيما. إن من قتلهم هكتور بن بريام - عندما منحه زوس المجد - يرقدون الآن مشوهين، وأنتما تدعواننا إلى الطعام! أما أنا فسآمر أبناء الآخيين بالقتال وهم صائمون، وهم على الطوى، حتى إذا غربت الشمس، أعدوا وليمة عظمى، بعد أن نكون قد انتقمنا لما لحقنا من عار. ولن يمر من بلعومي أي طعام أو شراب حتى يتم ذلك، حيث إن صديقي ميت. ذلك الذي يرقد في كوخي مشوها بالبرونز الحاد، وساقاه متجهتان نحو الباب، وقد أحاط به أصدقاؤنا باكين؛ لذا لا تجد قلبي مشغولا بهذه الأشياء، بل بالقتال والدم، وبأنين الرجال المفجع!»

فرد عليه أوديسيوس الكثير الحيل ، بقوله: «أي أخيل بن بيليوس، يا من تبذ جميع الآخيين قوة. إنك أفضل مني، وليس بقليل أن تفوقني في قوة استخدام الرمح، غير أنني ربما أتفوق عليك في المشورة بمراحل؛ إذ إنني أكبرك سنا، وأعرف أكثر منك؛ لذلك يجب أن يحتمل قلبك الإصغاء إلى قولي. فسرعان ما يتخم الرجال من القتال، حيث ينثر البرونز معظم القش على الأرض. برغم قلة الحصاد، عندما يميل بميزانه زوس الذي يدبر قتال البشر، ولكن البطن لا يمكن أن ينتظر حتى يبكي الآخيون جثة، إذ يسقط كثير منهم باستمرار، واحدا بعد آخر، يوما إثر يوم، فمتى إذن يستطيع المرء أن يجد راحة من العناء؟

1

Shafi da ba'a sani ba