ومع هذا فإن للمولدين نوعا من الملاحم خاصا بهم، وهو المقامات المسجعة بما يتخللها من الشعر كمقامات الهمذاني والحريري، ولكن التجرد فيها للإغراب في اللفظ يحول الفكر فيها عن التصرف بالمعنى على أن للفظ أحيانا رنات مطربة بنفسها، وهذا النوع من الإنشاء من خصائص اللغة العربية، وإن كثرة القوافي في اللغة تسوق إلى التسجيع حتى لقد يكون ذلك حيث لا مسوغ له كالأبحاث العلمية، والتفاسير القرآنية حتى كتب التاريخ التي لا يستحسن فيها الإكثار من الشعر والسجع.
ويلحق بالمقامات القصص التي يمتزج بها الشعر والنثر كقصة عنترة العبسي، وكثير من القصص التي تتداولها العامة في جميع البلاد العربية.
وإن من أحسن ملاحم المولدين ملحمة نثرية جمع فيها صاحبها شتيت المعاني، وأوغل في التصور حتى سبق دنتي الشاعر الإيطالي، وملتن الإنكليزي إلى بعض تخيلاتهما ألا وهي رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، ولكن استغلاق عبارتها وفقدان الطلاوة الشعرية منها ينحطان بها عن درجة أمثالها من ملاحم الأعاجم، وأما المنظومات الإخبارية، والأراجيز التاريخية التي يقصد بها تدوين الأخبار، فهي كثيرة في كل عصر من عصور العرب في الشعر الفصيح والعامي، وقد باد معظم ما قيل منها في الجاهلية، وهي أشبه شيء بالأراجيز العلمية، وكتب التواريخ المسجعة كتاريخ العتبي، وليست في الغالب إلا سلسلة حوادث مصوغة في القالب الشعري البسيط لا تتناول إلا القليل من بديع التصور الذي يهيج النفس، ولا مجال فيها للخيال، ومن هذا القبيل أرجوزة ابن عبد ربه
98
في إخبار الملك الناصر عبد الرحمن الأندلسي التي مطلعها:
سبحان من لم تحوه أقطار
ولم تكن تدركه الأبصار
ومن عنت لوجهه الوجوه
فما له ند ولا شبيه
فهذه وأمثالها مما لا يعد من نفائس الشعر القصصي ولا الموسيقي.
Shafi da ba'a sani ba