Allah Ya Gabatar da Murabus a Taron Koli
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
Nau'ikan
والفقراء والنساء من جميع الملل والأديان، انظروا الآلاف يموتون ويقتلون من النساء والأطفال في زائير ورواندا. (الجميع في حالة من الصمت والوجوم، وأخيرا يحرك الرب الأعلى يده مشيرا إلى سيدنا رضوان.)
سيدنا رضوان :
والآن أيها السادة والسيدات والآنسات، متأسف، لا داعي لكلمة الآنسات، الآن أيها السادة كلمة ربنا الأعلى حفظه الله وأنجاه، (يتدارك الخطأ)
معذرة أقصد كلمة ربنا الأعلى حفظ نفسه، وأبقى نفسه إلى أبد الآبدين.
ربنا الأعلى (بصوت هادئ حزين مملوء بالشجن) :
لا يا رضوان لم أعد راغبا في البقاء إلى أبد الآبدين، لقد مللت الخلود والوحدة والانعزال عن الناس في السماوات العليا. حين طلبتم مني الحضور لاجتماع القمة هذا، جئت إليكم بهذا الشكل الآدمي وإلا فزعتم من أي شكل آخر، أردت أن أهبط إليكم على شكل «روح»، لكن الروح لا شكل لها ولا وجود لها إلا في الخيال، كيف يتحول الخيال إلى مادة أو قوة؟! هذه هي كتبي السماوية حين تطبع وتتحول إلى دساتير تحملها الأحزاب الدينية، وهي أحزاب سياسية تتصارع على السلطة على الأرض والمال، كما هو حادث في العالم كله شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقد غضبت مثلكم بسبب المذابح التي ذهب ضحيتها الآلاف من الشعب الفلسطيني أو الشعوب الأخرى في أفريقيا وآسيا وغيرهما، وغضبت مثلكم لما يحدث من قهر للنساء باسمي، أو نهب لموارد الشعوب وأراضيها باسمي، وكنت غارقا مستغرقا في عبادة ذاتي لأكثر من خمسة آلاف عام؛ لأفرض عليكم عبادتي وأنا مجرد فكرة في الخيال؛ وبعد أن استمعت بأذني إلى كل أقوالكم وأقوالكن، أنتم الرجال وأنتن النساء، أعترف (لكم ولكن) أنني قد تحيزت للرجال دون النساء، وجعلت الرجل مسيطرا على المرأة دون وجه حق، وتحيزت لقوم إبراهيم ووعدتهم بأرض شعب آخر دون وجه حق ، لقد وقعت في أخطاء وتناقضات كثيرة، لكني كنت دائما أعود إلى طبيعتي الإنسانية الأولى، وأعود إلى الخير والعدل والمساواة والرحمة والحب، وربما لهذا السبب بقيت كتبي الثلاثة حتى اليوم؛ إذ وجدت فيها الشعوب المقهورة والنساء المقهورات سلاحا للدفاع عن حقوقهم وحقوقهن، كما وجد فيها أيضا الملوك ورؤساء الدول والحكومات سلاحا لقهر الشعوب والنساء والفقراء ... لكن أيها السادة والسيدات إن البشرية تتقدم إلى الأمام، ولم يعد أحد يرجع إلى نظرية الخلق التي وردت في كتابي. أصبح العلم الحديث هو المرجع الوحيد للمعرفة الحقيقية، ولم تعد كتبي إلا للحفظ في المتاحف وفنادق الفقراء، وأقسام التاريخ والدين في المدارس والجامعات، هذا من الناحية الأكاديمية فقط، لكن من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، فلا تزال كتبي هي الأساس رغم التقدم في العلوم الأخرى. وهذا خطير أيها السادة والسيدات، هذا الانفصال بين العلم والسياسة والثقافة، وهو انفصال أنا المسئول الأول عنه لأني فصلت الجسد عن العقل أو الروح، في حين أنه لا يوجد جسد بدون روح، ولا توجد روح بدون جسد وعقل، هذه الفكرة لم تكن فكرتي في الأصل، نقلتها عن الملكة «تي» أم الإله إخناتون، وهو نقلها عن أمه ثم حذف اسم أمه من التاريخ، ونقلت عن إخناتون كلماته ووضعتها في كتابي التوراة دون أن أشير إليه، بل إن فكرة وجود الروح منفصلة عن الجسد لم تكن فكرتي في الأصل، ولكنها فكرة الآلهة الفراعنة الذكور حربهم ضد الإلهة الأم الكبرى إلهة الحكمة والخصب والطبيعة، اخترعوا فكرة تقول إن لكل طفل يولد شبيهين له، يولدان معه ولا تراهما العين البشرية، لا تراهما إلا عين الإله فرعون؛ الشبيه الأول اسمه «كا» والشبيه الثاني اسمه «با»، وهما الروح التي تلبس جسم الطفل حتى يكبر ويموت، ثم يفارقان جسمه ويطيران في السماء على شكل طائر هو الروح، واخترعوا فكرة عقاب الأرواح بعد الموت على يد إلهة تشبه الوحش هي عدوتهم الإلهة نوت، وكانت إلهة السماء، وزوجها جيب إله الأرض، واخترعوا دار الحساب في الحياة الأخرى بعد الموت ، وجعلوا فيها ميزانا يزن السيئات والحسنات، وكان يوضع مع كل ميت في القبر كتاب اسمه كتاب الموتى، وقد أخذت عنهم كل هذه الأفكار ووضعتها في كتبي الثلاثة عن الحياة الأخرى والجنة، والحقيقة أيها السادة والسيدات أنني كنت أعيش في مصر القديمة، وكنت أسعى إلى الحكم بعد أن أحارب فرعون وأقتله، عاصرت الفراعنة وقت رمسيس الثاني الذي حكم مصر من 1301 حتى 1235 قبل مولد عيسى المسيح الذي جعلته ابني، أما موسى فقد عاش في مصر معي في عهد رمسيس الثاني، وكان يسمى الفرعون منفتاح وهو «فرعون الخروج»، الذي حاربته وانتصرت عليه مع موسى وقومه إسرائيل، كانت هي الحرب التي انتصرنا فيها، وتصادف أن هجم على مصر من الصحراء أسراب من الجراد، فانتهزت الفرصة وقلت: أنا الذي أرسلت هذا الجراد، أما الفراعنة الأغنياء والطبقات العليا، فقد نجوا جميعا من الأذى، هكذا كنت أوجه ضرباتي دائما إلى الضعفاء الفقراء من النساء والأطفال والعبيد، وكانت عمليات الختان والإخصاء تجرى للعبيد فقط، ولا تجرى للآلهة الفراعنة أو الأسياد، وحين صارت مصر تحت حكم المقدونيين بعد انتصار الإسكندر الأكبر المقدوني (334-323 قبل مولد عيسى المسيح)، وأنشئت عاصمة جديدة على شاطئ البحر سميت الإسكندرية على اسم الغازي الإسكندر الأكبر، فرض الحكام الجدد اللغة اليونانية على الشعب المصري بدلا من اللغة المصرية، وتم إلغاء ديانة إيزيس التي كانت تدعو إلى العدل والمحبة والحرية، وقتل كهنة إيزيس وحرقت كتبها وصورها، فرض على الشعب المصري عبادتي من خلال كتابي التوراة المترجم إلى اليونانية السكندرية، وهي الترجمة السبعينية، وبعد موت الإسكندر الأكبر استولى البطالمة على مصر وفلسطين، التي وقعت تحت حكم ملوك سوريا السلوقيين (198 قبل ميلاد المسيح)، وفي جميع الأحوال أيها السادة والسيدات لم تكن ترجمة كتابي التوراة أو الإنجيل أو القرآن تتم إلا بقرار من الحاكم المسيطر. أنتم تقولون إن الحكام كانوا يحاربون باسمي، لكني كنت أحارب باسم الحكام في الحقيقة، وكنت واحدا من الفراعنة اضطر للفرار من مصر، وأراد أن يشيد إمبراطوريته في أرض كنعان وفلسطين مع موسى وبني إسرائيل؛ ولهذا جاءت التوراة باللغة العبرية لأني كنت أخاطب قومي من بني إسرائيل، ولم أكن أخاطب الشعب المصري المحكوم برمسيس الثاني. هذا هو تاريخي أيها السادة والسيدات، وقد حذفت اسم أمي من التاريخ كما فعل إخناتون وحذفت أم آدم أيضا، ووضعت نفسي مكان الأم الكبرى التي ولدت أول إنسان على الأرض، وجعلت نفسي خالق الكون في ستة أيام، حتى جاء العلم الحديث فكشفني، ولا يمكن لي بعد اجتماع اليوم أن أستمر في هذه اللعبة، ولا بد من وضع الأمور في نصابها، والاعتراف بالخطأ، فالاعتراف بالخطأ أفضل من الاستمرار فيه، وقد آن لهذا العالم أن يواصل حياته وتقدمه بدون إله وبدون شيطان أيضا، وبدون هذا التقسيم الخطير بين الجسد والروح، هذه الآفة التي عذبت الإنسان أكثر من خمسة آلاف عام، وجعلت الجسد أدنى من العقل والروح، لأصبح أنا العقل وأنا الروح العليا، ويصبح الإنسان بجسده هو الأدنى. انقسم الإنسان إلى رجل يرمز إلى العقل البشري، وإلى امرأة أدنى ترمز إلى الجسد والعقل والروح، كما وضعت عداوة بين الإنسان والطبيعة والكائنات الحية الأخرى ومنها الحية والثعبان. إن أخطر شيء يهدد قوة الإنسان هو ذلك التقسيم، لكني كنت في حاجة إلى إضعاف الإنسان لأكون أنا الأقوى، حتى يصبح الإنسان عبدا يعبدني، ويخاف من ناري أو يطمع في جنتي، لم يحبني أحد حبا حقيقيا؛ لأن الحب والخوف لا يجتمعان في قلب واحد، أنا في حاجة إلى الحب أيها السادة والسيدات، الحب الحقيقي بلا خوف من نار أو طمع في جنة، هذا الحب لم يقدمه لي أحد من البشر إلا رابعة العدوية، لم تكن تطمع في الجنة أو تخاف النار، لكنها وقعت في الخطأ الذي أنا سببه الأول؛ فصلت رابعة بين الجسد والروح، فصلت بين جسدها وروحها، حين كانت تنظر في المرآة لم تكن ترى لا وجهها ولا وجهي، وإنما هي نصوص وحروف مطبوعة في الكتاب الإلهي، لم تكن ترى في المرآة إلا صورتي في خيالها وخيال الناس، صورة من وحي الخيال كانت تراها ، عاشت رابعة في الخيال، لم تعش حياة المرأة الحقيقية، حكمت على جسدها بالإعدام كي تراني في مرآتها، وهذا ظلم أيها السادة والسيدات، وإن كنت أنا خالقكم نساء ورجالا، فقد خلقتكم نساء ورجالا بأجساد وعقول وأرواح متحدة داخل كيان الجسد.
إذا حرم الجسد من حياته ورغباته حرم العقل أيضا وحرمت الروح أيضا؛ لهذا السبب لم تكن رابعة العدوية سعيدة في حياتها الحقيقية، كما كانت هي سعيدة في حياتها الخيالية الوهمية. إني أشعر بتأنيب الضمير؛ فهذه المرأة التي أعطتني كل هذا الحب لم أعطها أنا إلا الحرمان. كنت إلها قاسيا في الحقيقة، أعوض عن قسوتي بالكلام عن الرحمة والعدل. كنت أنا أيضا منقسما على نفسي أفصل بين جسدي وروحي، أنكر جسدي وأتصور أنني لست إلا روحا في الهواء، وحين جاءت اللحظة الحاسمة لأهبط إليكم فوق الأرض، لم يكن لي مفر إلا الرجوع إلى الحق وارتداء جسدي الذي ترونه أمامكم أيها السادة والسيدات، وهو جسد رجل يدعي أنه ليس بشرا، وجسد إنسان يدعي أنه إله. وقد آن الأوان أن أظهر على حقيقتي، وأعلن عن استقالتي من منصبي، منصب الإله الواحد الخالد إلى الأبد. إن الخلود نقمة وليس نعمة؛ تصوروا الحياة بلا موت ماذا تكون؟ إني أفضل أن أكون إنسانا ميتا يستمتع بالحياة والحب، والجنس، والحرية، وجميع زينات الدنيا، عن أن أكون إلها حيا بلا حياة ولا جنس، ولا حب ولا حرية إلا الفراغ الخالد. إن قضية الحب مثل قضية الحرية لا تتجزأ، وإذا خلت السماء من الحب والحرية خلت الأرض أيضا من الحب والحرية، وإذا كان إله السماء دكتاتوريا فهل يعرف الحكام فوق الأرض شيئا آخر غير الدكتاتورية؟! (الصمت يدب في القاعة! الجميع جالسون صامتون واجمون.) (يختفي الضوء ثم يظلم المسرح تماما.) (تسمع دقات قوية على الباب.) (يضاء المسرح، الذي أصبح خاليا إلا من بنت الله.) (اختفت الشخصيات الأخرى في المسرحية.) (تستمر الدقات على الباب، ثم يكسر الباب ويدخل رجال البوليس يحملون البنادق، يتقدمهم رئيسهم نحو بنت الله.)
رئيس البوليس (في يده كتاب مطبوع) :
أنت هنا ونحن نبحث عنك؟!
بنت الله :
Shafi da ba'a sani ba