حاشية:
مرضت أمك مرضا شديدا، ألزمها الفراش، وارتفاع الحرارة، وألححت عليها استدعاء الطبيب فلم تقبل بحجتين:
الأولى:
الاعتقاد في القدر، وأن ما كتب على الجبين تراه العيون، وما قدر على الإنسان فلا بد أن يراه.
الثانية:
أن كثيرا من الأطباء قد أخطأوا فأماتوا المريض، ألم تسمع ما فعلوا بفلان إذ عالجوه فمات، وبفلانة إذ عالجوها فماتت أيضا؟ فماذا يغني الأطباء؟ وما زلت أقنعها في الحجتين، فقلت: لها: إن المسلمين الأولين كانوا يعتقدون في ربط الأسباب بالمسببات، والأرض إنما تنبت الزرع بالبذر والغيث، فما لم تزرع وتبذر وتروى لا تنبت شيئا؛ ولذلك حاربوا بكل ما استطاعوا من قوى حتى نجحوا، ثم غلوا في الاعتقاد بالقدر فلم يربطوا الأسباب بمسبباتها فضلوا في عقيدتهم. وأما من الناحية الثانية فإن بجانب الأطباء القليلين الذين أخطأوا، أطباء كثيرين نجحوا، وإني لا أزال أعتقد أن الذين يكذبون لا يزال صدقهم أكثر من كذبهم، والذين يظلمون يعدلون أكثر مما يظلمون، والأطباء الذين يخطئون أقل ممن يصيبون، وهناك أشياء لا يخطئون فيها إلا نادرا، كتحليل البول ومقياس درجة الحرارة، ونحو ذلك. وما زلت بها حتى اقتنعت، فاستدعيت الطبيب، وقد عالجها، فشفيت ولله الحمد.
رسالة إلى ابنتي
1
أي ابنتي!
شاءت الظروف أن ترحلي إلى إنجلترا، وقد كنت في مصر مهدمة الأعصاب شديدة الانفعال، تبكين لأتفه سبب، وتضحكين لأتفه سبب، وترضين وتغضبين وتحزنين وتفرحين، والآن أصبحت في ثلاجة، فتعلمي أن تثلج أعصابك وتبرد عواطفك، ثم إن كل شيء حولك يدعو إلى الهدوء، جو بارد، ونظام دقيق، ومعاملة حسنة.
Shafi da ba'a sani ba