نظرت إليه وقلت بارتباك: عن إذنك، هدى مستنياني.
وجمعت أشيائي وهربت من عينيه اللتين كادتا تعرفان سر قلبي، فقال هامسا خلفي: هتفضلي تهربي لإمتى؟
لم ألتفت إليه ولم أجبه، إنما خرجت مسرعة وكأني أخشى مواجهته حتى لا أعترف له بحبي، نعم أنا أحبه يا أبي، أحب اهتمامه بي، ملاحقته لي، أحب لهفته علي ورغبته في إرضائي، أحب فيه كل ما لم تمنحه أنت لي، ربما لو كنت أشبعتني من حبك واهتمامك لم أكن أبالي به، لكني كنت أحتاج ما يغمرني به، فوقعت صريعة هواه وأنا أعلم أنه متعدد العلاقات وصياد ماهر.
هدية عيد الميلاد
كان يوم مولدي عندما كنت مدللتك يوما بهيجا أنتظره لتحتفي بي أنت وكل الأسرة والأصدقاء، وعندما غبت حرصت أمي على أن تحتفل به حتى لا أشعر بالفارق، ورغم كل جهدها كان هناك فارق بالطبع، فلم تكن أنت هنا، لكن سليم وسلوى كانا ينشران البهجة في ذلك اليوم، ومنذ زواج سلوى غابت البهجة عن البيت ونسي الجميع أن يحتفلوا بيوم مولدي، فسليم مطحون في مسئولياته، وأنا أعذره طبعا، وأمي أنهكتها سنوات المسئولية والمرض. الوحيد الذي تذكر يوم مولدي كان عصام، حيث غاب اليوم كله لم أره، وفي نهاية اليوم عندما خرجت من المكتب للصلاة وانصرف جميع الزملاء، عدت فوجدت علبة كبيرة مغلفة وعليها بطاقة مكتوب عليها «كل عام وأنت كما أنت بكل طهرك وبراءتك» ولم تحمل أي توقيع، ففتحت العلبة فلم أجد بها سوى قلب صغير أحمر مكتوب عليه «أحبك»، وقفت للحظات مصعوقة من هول المفاجأة ومتعجبة ولا أعرف من صاحب الهدية، أيعقل أن يكون عصام؟ بقدر سعادتي بالهدية كنت أشعر بالخوف من القادم، ليتك كنت معي يا أبي لترشدني وتكون سندا لي في خطوتي القادمة.
خرجت من مكتبي وأنا أحمل الهدية ووصلت لغرفتي فأخرجتها ورحت أتأملها مرات عديدة، فاحتفظت بالبطاقة في أشيائي الخاصة جدا في دولابي، ووضعت القلب على وسادتي، وبينما أنا في صراع رهيب بين قلبي العاشق وعقلي الرافض لكل هذا الحب لذاك الصياد الماهر، وهو يقول لي: «إنه ليس حبا، بل فخا محكما.» فإذا بموبايلي يعلن عن وصول رسالة على الواتس أب من رقم مجهول ففتحتها، فوجدت من يتساءل «عجبتك الهدية؟»
فقلت: إنت مين؟ - حقيقي مش عارفاني؟ - لا. - خمني. - لو ماقلتش إنت مين هاعملك بلوك. - أكيد قلبك قالك إني ...
لحظات صمت يخفق قلبي فيها بجنون وأنا أتأمل الموبايل في انتظار إجابته، حتى كتب: عصام.
سكت للحظات ثم استجمعت شجاعتي وقلت: أستاذ عصام أنت عارف إني ما بحبش الهزار بالطريقة دي، ولا علاقة الزمالة بيننا تسمح بالكلام دا. - أمال أخدتي الهدية ليه؟ - لأني ما كنتش عارفة أرجعها لمين. - بس أنا مش باهزر. - إنت ماتعرفش غير الهزار وصحوبية البنات وأنا ماليش في الاتنين. - طيب لكي في الحب؟ - الحب اللي أنت تعرفه لأ. - طيب إيه الحب اللي انتي تعرفيه وتقبليه؟ - واضح إنك مش فتك زي ما بيقولوا عنك، وإلا كنت فهمت لوحدك، الصبح هديتك هتكون على مكتبك، واعتبر اللي بيننا من زمالة انتهى.
أغلقت موبايلي وأنا أرتجف من فرط اضطرابي وقلبي يلومني على تفريطي في الحب الذي طالما انتظرته، وعقلي يقول لي أنني فعلت الصواب. دخلت المطبخ لأصنع كوبا من الشاي لأشغل نفسي عن أفكاري فوجدت أمي تصنع كعكة، وبمجرد أن رأتني قالت: كده بوظتي المفاجأة؟ كنت باعملك تورتة لعيد ميلادك.
Shafi da ba'a sani ba