Farfaɗo Da Ilimin Addini
إحياء علوم الدين
Mai Buga Littafi
دار المعرفة
Inda aka buga
بيروت
إلى حرمته وتوقيره لله تعالى ودلالة ذلك على علمه بجلال الله سبحانه
وسئل الشافعي ﵁ عن مسئلة فسكت فقيل له ألا تجيب رحمك الله فقال حتى أدري الفضل في سكوتي أو في جوابي فانظر في مراقبته للسانه مع أنه أشد الأعضاء تسلطًا على الفقهاء وأعصاها على الضبط والقهر وبه يستبين أنه كان لا يتكلم ولا يسكت لا لنيل الفضل وطلب الثواب
وقال أحمد بن يحيى بن الوزير خرج الشافعي رحمه الله تعالى يومًا من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم فالتفت الشافعي إلينا وقال نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها
وقال الشافعي ﵁ كتب حكيم إلى حكيم قد أوتيت علمًا فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم
وأما زهده ﵁ فقد قال الشافعي ﵀ من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب
وقال الحميدي خرج الشافعي ﵀ إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجا من مكة فكان الناس يأتونه فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالًا كثيرًا وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين دينارًا
وسخاوة الشافعي ﵀ أشهر من أن تحكى ورأس الزهد السخاء لأن من أحب شيئًا أمسكه ولم يفارق المال إلا من صغرت الدنيا في عينه وهو معنى الزهد
ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثًا في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له قد مات فقال إن مات فقد مات أفضل زمانه
وما روى عبد الله بن محمد البلوي قال كنت أنا وعمر بن نباتة جلوسًا نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي ﵁ خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت فقرأ هذه الآية عليه ﴿هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ فرأيت الشافعي ﵀ وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطرابًا شديدًا وخر مغشيًا عليه فلما أفاق جعل يقول أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك
قال ثم مشى وانصرفنا فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة فالتفت فإذا أنا برجل يتبعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره فالتفت إلي فقال هل لك من حاجة فقلت نعم تعلمني مما علمك الله شيئًا فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غدًا أفلا أزيدك قلت نعم قال من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان من أمر بالمعروف وائتمر ونهى عن المنكر وانتهى وحافظ على حدود الله تعالى ألا أزيدك قلت بلى فقال كن في الدنيا زاهدًا وفي الآخرة راغبًا واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج مع الناجين ثم مضى فسألت من هذا فقالوا هو الشافعي فانظر إلى سقوطه مغشيًا عليه ثم إلى وعظه كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا من معرفة الله ﷿ فإنه ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ ولم يستفد الشافعي ﵀ هذا الخوف والزهد من علم كتاب السلم والإجارة وسائر كتب الفقه بل هو من علوم الآخرة المستخرجة من القرآن والأخبار
1 / 25