والأصل في المبني أن يسكنا
وقال أبو القاسم الزمخشري في المفصل: «البناء على السكون هو القياس.» قال شارحه ابن يعيش: «القياس في كل مبني أن يكون ساكنا، وما حرك من ذلك فلعلة؛ فإذا وجدت مبنيا ساكنا، فليس لك أن تسأل عن سبب سكونه؛ لأن ذلك مقتضى القياس فيه، فإن كان متحركا فلك أن تسأل عن سبب الحركة وسبب اختصاصه بتلك الحركة دون غيرها.»
فهذه أقوال النحاة، وقد يتبادر إلى فهم القارئ أن الكثير الغالب على المبنيات هو السكون، وأن النحاة إنما أخذوا هذا الأصل الذي قرروا من تتبع المبنيات في كلام العرب واستقرائها، وليس هذا بصحيح؛ فإنهم قد استمدوا هذا الأصل من فلسفتهم النظرية التي أشرنا إليها من قبل، وفصلنا كثيرا من قواعدها.
قال ابن يعيش في التدليل على هذا القياس: «وإنما كان القياس في كل مبني السكون لوجهين، أحدهما: أن البناء ضد الإعراب. وأصل الإعراب أن يكون بالحركات المختلفة للدلالة على المعاني المختلفة، فوجب أن يكون البناء الذي هو ضده بالسكون. والوجه الثاني أن الحركة زيادة مستثقلة بالنسبة إلى السكون، فلا يؤتى بها إلا لضرورة تدعو لذلك.» ا.ه.
فقد رأيت كيف استمدوا دليلهم من غير أن يرجعوا إلى الإحصاء والاستقراء، بل لقد صرحوا «بأنه ليس أغلب المبنيات كلها ساكنا.» قال الصبان في شرح الخلاصة عند قوله:
والأصل في المبني أن يسكنا «الأصل؛ أي: الراجح والمصطحب لا الغالب؛ إذ ليس أغلب المبنيات ساكنا.»
ولقد كان ذلك يكفينا في رفض أصلهم، ودفع الاعتراض به، ولكننا رأينا أن ننظر في استقصاء المبنيات وتقسيمها لنعلم نسبة الساكن منها إلى المتحرك، وأي الحركات أغلب؟ ولم ننس أنا ندرس حركات الإعراب، لا حركات البناء، ولكنا تقدمنا إلى درس طبائع الحركات وموازينها في النطق، فكان درس الحركة في المبني مما عساه أن يكشف عن الحق أو يؤيده.
وقد وجدنا عدد حروف المعاني سبعين حرفا؛ الساكن منها اثنان وعشرون، والمتحرك ثمانية وأربعون، أما المتحرك: فالمفتوح منه اثنان وأربعون، والمكسور خمسة، والمضموم واحد.
فالساكن في البناء أقل من المتحرك، بل هو أقل من المتحرك بالفتح وحده.
33
Shafi da ba'a sani ba