104

فنون «آدم» لما كان فيه شية من التنكير، ظاهر أنه أرادها وتعمد الإشارة إليها ليتم تصوير معناه - ولم ينون لما أراد «آدم» الواحد المعهود.

وهذا الرأي كما ترى يخالف رأي الجمهور من النحاة مخالفة واضحة، ولكنه مع هذا معروف في كتب المتقدمين، منسوب إلى جماعة من الأئمة؛ قال الرضي: «إن الكوفيين يمنعون العلم من الصرف بالعلمية وحدها؛ لأن العلمية سبب قوي في باب منع الصرف.» وعزاه البغدادي صاحب خزانة الأدب إلى الإمام عبد الرحمن السهيلي أيضا، وهو من نحاة الأندلس وحذاقهم.

وقد قال النحاة: إن «ال» تدخل على العلم للمح الأصل، وإنها لا تدخل إلا ما كان منقولا عن وصف أو مصدر، وكذلك أقول: إن التنوين يدخل العلم للمح الأصل.

ومن لمح هذا الأصل يأتيه معنى التنكير، ويدخله التنوين.

وإذا امتحنا المواضع التي قدر النحاة فيها منع الصرف وتحريم التنوين، وجدناها تزيد هذا الأصل تأييدا.

فأول ذلك أنهم يمنعون الاسم للعلمية والعجمة، ويشترطون في الاسم الأعجمي ألا يكون قد استعمل نكرة في العربية قبل وضعه علما، أي أن يكون نقل من الأعجمية وجعل علما، فإذا سميت بإبراهيم، فإبراهيم ممنوع من الصرف، إذ لا أصل له في التنوين يمكن أن يلمح؛ أما إذا سميت بمثل «إستبرق» و«أستاذ» مما استعمل في العربية نكرة ونون لم يمنع عندهم من الصرف، لأنه لم يستوف شرط العجمة، وذلك يشهد أن التنوين يدخل على العلم من ناحية أصله الذي نقل عنه أو كما يقولون (للمح الأصل).

والثاني: المركب المزجي، وهو اسم نقل من لغة أخرى وبقيت له صورة تأليفه وتركيبه، فليس له من أصل كان منونا قبل العلمية فيمكن أن ينون بعده .

والثالث: وزن الفعل، اختلف فيه النحاة اختلافا كثيرا، وذلك أنهم وجدوا أعلاما توازن الفعل ولا تمنع، وأخرى توازنه فتمنع، فاشترطوا أن يكون الاسم على صيغة الفعل بها أولى، أو يكون قد بدئ بزيادة هي أحق بالفعل، على أن القاعدة لم تستقم لهم بعد ما اشترطوا، فقد رأوا مثل «جلا» ممنوعا من الصرف وليس فيه شرطهم، ومذهب عبد الله بن أبي إسحاق، أوضح المذاهب وأصرحها في هذا، يقول: «إنه يشترط أن يكون الاسم منقولا عن الفعل وظاهرا فيه هذا النقل.»

وتفسيره عندنا: أن العلم إذا كان قد نقل عن الفعل، وكان ظاهرا فيه هذا النقل، كان واضحا أن أصله محروم من التنوين، فلا أصل يلمح ويستأنس به حين تنوين العلم.

رابعا: العدل؛ مثل عمر وزفر، اشترط النحاة لمنع مثل هذه الأسماء من الصرف ألا تكون قد استعملت نكرات قبل استعمالها، قالوا: إن زفرا يصرف لأنه قد استعمل منكرا ومعرفا قبل أن يكون علما، فقيل: «السيد الزفر»، وهنا نجد سبب المنع من التنوين ظاهرا واضحا، وهو أن العلم لم يستعمل منونا قبل أن يكون علما؛ فحرم التنوين إذ كان علما، وهذه الأسماء التي سموها معدولة إنما هي أسماء مرتجلة اشتقت أول ما اشتقت من أصولها لتكون أعلاما؛ فهذا معنى العدل الذي حار فيه النحاة المتأخرون، حتى صرحوا بأنها علة مفترضة لمنع الصرف، وقالوا: «إذا وجد الاسم ممنوعا من الصرف وليس فيه إلا علة واحدة فرض أن العدل هو العلة الثانية.»

Shafi da ba'a sani ba