وأما ثانيا: فلأنه لا يتصور أن يعلم الصيحح من الفاسد من أحكام العقل.....لأنه دور محال، ولا بالنقل لأن العقل أصل النقل كما عرفت، ولا يكون النوع حاكما على الأصل وإلا انعكست الأصالة والفرعية وجاز قد الفرع بالأصل وهو عائد إلى قدحه في نفسه فيرجع إلى لزوم الدور المحال، فتأمل. لا يقال: لو تم هذا للزم أن يرفض الشرع ويرجع إلى العقل كل شيء، وهذا ضلال، وقد وقع فيه من وقع من الفلاسفة وغيرهم، إذ لم يجعلوا الشرع مرجعا عند ضلال عقولهم في أحكامنا المخالفة لما جاء به المرسلون عليهم السلام ولو..... عقولهم يبدأ الشرع لا ...... وسلموا من حيرة الضلال؛ لأنا نقول: هذا الخليط كان كلامنا في أحكام العقول الصحيحة وهي السالمة عن شوائب التلقيد وتعبيرات الفطر وهي العقول التي استشهد الله بها على عباده في مواضع من كلامه الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهي معروفة ظاهرة عند كل من يقرأ القرآن الكريم، وهو تعالى لا يستشهد بالعقول على عباده مع علمه ببطلان الاعتماد عليها، بل لا يستشهد بها إلا مع صحة الإعتماد عليها، والثقة بأحكامها، وليس كل ما يتوهم أنه حكم للعقل الصحيح، فهو حكم له، بل الذي تشهد به الضرروة أو ما يرجع إليها وحكم العقل الصحيح، وما عداه مما يشهد النقل والشرع بخلافه فهو مجرد وهم أو حكم العقل المشوب بالوهم......فيرجع إلى الشرع والنقل دونه عند تعارضهما ويكون بالشرع حاكما عليه، وليس هذا من قبيل جعل الفرع حاكما على الأصل، وقدح النقل في العقل والأصالة والفرعية ليست بين العقل والنقل مطلقا، بل إنما هي بين العقل الصحيح والنقل.
Shafi 158