135

Ihtiras

الاحتراس عن نار النبراس المجلد الأول

Nau'ikan

وأما ما يقال: من أنهم ما اتهموا العقول في أحكامها مطلقا، بل في التحسين والتقبيح اللذين زعموا أن الثواب والعقاب آجلا داخلان في معناهما المتنازع فيه، كما سيجيء إن شاء الله تعالى، ولا يخفى أن اتهامهم للعقول في هذا المعنى الذي وقع النزاع في التحسين والتقبيح بصدده كما حرروه في كتبهم المعتبرة لا يلزم منه أنهم متهمون للعقول في جميع أحكامها مطلقا ولا في الحسن والقبح اللذين لا دخل فيهما للثواب والعقاب آجلا، فغفله عن مواضع النزاع بينهم وبين المعتزلة وسائر العدلية في التحسين والتقبيح عقلا، فإن النزاع قائم بينهم في أفعال الله تعالى، بل أكثر مواضع النزاع لنا أي أفعاله تعالى مع القطع بأنه لا ثواب فيها ولا عقاب، ومع اعترافهم بأن النزاع فيها مبني [70] على التسحين والتقبيح نفيا وإثباتا، فلا يركن إلى هذا السؤال والكلام المذكور إلا غافل عن كلام الفريقين، وعما ذكره إمام الحرمين وصابح تلخيص المحصل، وصاحب المواقف، وقد مر نقل كلامهم في تنزيه الله تعالى عن الكذب على مذهبهم، وقد رمز إلى ذلك السيد المحقق على شرحه على المواقف لكن في غير موضع هذا البحث، وعسى أنا ننقله بلفظه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى، بل نقول: أن جميع المتكلمين من الأشاعرة قد صرحوا بما يسقط معه هذا السؤال ويطابق ما ذكره إمام الحرمين، وصاحب التلخيص، وصاحب المواقف، وشارحه، وذلك أنهم يقولون: بأنه لا نقص في أفعاله تعالى أعني أن ما يحكم العقل ينقصه من الأفعال كإيجاد الكذب وخلق في الكلام اللفظي الذي هو من أفعاله تعالى، فإنه لا نقص فيه من حيث أنه فعل الله تعالى -أي أنه لا قبح فيه من هذه الحيثية- وهذا رفض منهم لإدخال الثواب والعقاب آجلا في محل النزاع بينهم وبين المعتزلة في الحسن والقبح، ورفض أيضا لتدليسهم بأنهم لا ينفون حكم العقل في عين الكمال والنقص، ولا يتهمونه في ذلك، وسيأتي لنا أن العدلية من المعتزلة وغيرهم إذا أوردوا عليهم بأن هذه الأفعال تقبح من الله تعالى لوم وقع منه عز وجل كتكليف ما لا يطاق.

Shafi 155