لقد عشت هذه السنين التسع الأخيرة، وحفلت حياتي بكل ساعة، بل بكل دقيقة، منها، بحيث أستطيع أن أقول إني شاهدت واختبرت فيها أكثر مما شاهدت أو اختبرت قبل ذلك في خمسين سنة، ولا أعني كثرة ما شهدت، أو وفرة ما رأيت من حوادث، وإن يكن قد زاد على المألوف زيادة كبيرة؛ فإن صفة الكيف فيه كانت أدعى إلى العجب من صفة الكم.
لا، لم تكن الحوادث والاختبارات في السنوات السبع الماضية كثيرة فقط، وإنما كانت مختلفة عما كنا نألفه من قبل؛ ولذلك أنا أحاول، في الكلمات الموجزة، أن أستقطر العبرة من هذه الحوادث والمشاهدات، ولنبدأ في البداية.
فحوالي سنة 1949 أو 1950 شاعت شائعات خرافية تقول إن أطباقا تطير وتحط على الأرض ثم ترتفع، وأنها تمخر عباب الجو بسرعة آلاف الأميال في الساعة، بحيث لا يستطيع الناظر إليها إلا أن يخطف منها النظرة البرقية التي لا تعين التفاصيل ولا توضح الأشخاص.
وتكررت هذه الشائعات، وكنت - وقتئذ - أحرر في إحدى المجلات فوردت إلي أسئلة بشأن هذه الأطباق، وما هي، ومن أين تأتي.
وأنا أميل بثقافتي العلمية إلى الشك، هذا الشك العلمي الذي أوصانا به «ديكارت» الفرنسي؛ ولذلك حذفت الموضوع من رأسي، وأجبت هؤلاء السائلين بأن الأطباق الطائرة أسطورة، وأنها وهم وتخييل نبتا في العقول المرهقة، وأن هؤلاء الذين «رأوها» يحتاجون إلى أن يمضوا بضعة أيام أو أسابيع على الشواطئ.
وكان معنى هذه الإجابة أن الذين يرون الأطباق الطائرة مجانين ويحتاجون إلى علاج حتى يشفوا.
ولكن رويدا رويدا شرعت أشك في شكي؛ ذلك أن وزارات الحرب في روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خصت هذه الأطباق بعناية كبيرة، فعينت الموظفين العلميين لرصدها ودراستها، ثم في نهاية سنة 1952 ظهر كتاب في أمريكا لأحد الذين شاهدوا واحدا من هذه الأطباق قال فيه إنه اقترب من طبق طائر كان قد حط على الأرض، ولكنه لم يلامسها، وأنه قد نزل منه «إنسان» أشار إليه أن يبتعد، فلما أطاعه طار الطبق!
هل يمكن أن أنكر؟ هل يمكن أن أكون أنا العاقل الوحيد وكل هؤلاء مجانين؟!
واشتريت الكتاب وقرأته، وصرت أحلم به حتى في يقظتي؛ فإني أذكر أني ذات صباح، وأنا على الترام الذي كان قد وصل إلى ميدان التحرير، نظرت إلى المبنى المجمع فرأيت سحابة بيضاء تمر فوقه، وإذا بجزء منها ينفصل ويطير في الجو على بعد سحيق يتجاوز سرعة السحب.
وانخلع قلبي، وأردت أن أصرخ: طبق طائر، طبق طائر. ولكني التزمت الصمت، ولا أعرف لماذا! وظني أن الوقار غلبني ، وظني الآخر أن السرعة التي ظهر بها ثم اختفى في الفضاء قد جعلت حديثي عنه لغوا لن يصدقه أحد؛ ولذلك التزمت الصمت.
Shafi da ba'a sani ba