وكانت عائشة تسمع هذه الكلمات التي دارت في رأسها كأنها كانت تكويها بالنار، فنهضت وقعدت، ثم تأملت هذا الرجل العجوز، الذي يحتاج إلى اللزقة كل ليلة، وربما يموت إذا فارقته، فخرجت إليه وهي تبكي وقد اغرورقت عيناها بالدموع وصاحت: - هو أنا طلبت الطلاق؟ هو أنا قلت إني أخرج؟ أنا معك هنا لحد ما أموت أنا أو تموت أنت!
ورد الشيخ علي يمين الطلاق ودموعه تنهمر.
الفصل الحادي والعشرون
هل أنا قتلته؟
وكان ينام بسهولة على يدي، فما هو أن ينطرح ويسترخي، وأمدد يدي على وجهه وصدره إلى ساقيه، حتى يكون قد غاب.
عاد صديقي يلومني للمرة المئة لأني لا أمارس التنويم، أي التنويم النفسي ، أو كما يسمونه، المغنطيسي؛ ذلك أنه كان قد مضى علي أكثر من ثلاث سنوات وأنا مقاطع لهذا الفن، وكنت قبل ذلك أمارسه في السهرات للمؤانسة فقط، ولم أحترفه قط، وكثيرا ما كنت أقول إنه أسوأ فن، وإن الحكومة يجب أن تمنع ممارسته؛ لأنه ينطوي على كثير من الممكنات السيئة التي يستطيع الرجل السافل أن يستغلها وينزل بمن ينومه أو ينومها أكبر الضرر.
ذلك أن الشخص النائم يؤدي لنا ما نطلب منه كأنه آلة فقط، ليس له إرادة؛ فإذا قلنا له أنت لص تحب السرقة وتمارسها في خفة، وستفعل ذلك غدا، فإنه حتى بعد أن يفيق من النوم يرتكب السرقة.
كنت أقول هذا وأستنكر التنويم مع أني - كما قلت - كنت أمارسه عن نية حسنة مع بعض أصدقائي للمداعبة والمؤانسة، ولكني منذ ثلاث سنوات انقطعت عنه انقطاعا تاما؛ وذلك بسبب حادث ما زلت أتألم كلما ذكرته، ولا أعتقد أني سأعود إلى ممارسة هذا الفن، بل يقيني أن الحكومة تحسن كل الإحسان إذا هي منعته وعينت العقوبة القاسية لمن يمارسه.
ذلك أني كنت قد قرأت في بعض الكتب التي تبحث أحوال من يسمون «الفقراء» في الهند، أن «الفقير» يستطيع أن يحبس أنفاسه ويقف نبضه نحو ساعة أو أكثر، بحيث لا يستطيع الطبيب الفاحص عنه أن يهتدي إلى أية دلالة على الحياة، ولكن هذا «الفقير» يعود فيسترجع أنفاسه، كما يعود قلبه إلى النبض؛ أي يعود إلى الحياة، بعد أن يكون قد مات بضع ساعات.
وفتنني هذا الكتاب، واشتريت غيره من الكتب التي تعالج هذه الموضوعات، وجعلت أحاول الإيضاح لهذه الظاهرة العجيبة فلم أجد لها تفسيرا إلا في هذا التنويم النفسي الذي كنت أمارسه أنا مع أصدقائي؛ ذلك أن «الفقير» الهندي يتخيل نفسه ميتا لبضع ساعات يستيقظ بعدها؛ أي إنه يوحي إلى نفسه الموت فيموت، ولكنه يموت، لميعاد، أو - كما نقول - إنه ينوم نفسه ثم يستيقظ في الميعاد الذي عينه.
Shafi da ba'a sani ba