من كسب المعارك الأولى، ولكن الإمبراطورية الإنجليزية الكبيرة جمعت قواتها وتدريجيا قضت على البوير، وقد أدى اعتقال لورد كتشنر للنساء والأطفال البوير في معسكرات الاعتقال إلى حرب أخرى صغيرة، ولكن سياسة بريطانيا في الاعتراف (عام 1906 و1907) بالحكم المحلي للبوير في الترنسفال والأورنج على التوالي قد هدأ الموقف، ومن ثم نشأ ما عرف لمدة طويلة باسم اتحاد جنوب أفريقيا عام 1910، متكونا من الكاب وناتال والأورنج وترنسفال.
وفي الشمال الشرقي تمكنت بريطانيا من وضع يدها على حوض النيل، ففي 1841 تمكنت بريطانيا على رأس دول أوروبا من مساندة تركيا ووقف إمبراطورية محمد علي من الاتساع في كل العالم العثماني. وفي 1869 افتتحت قناة السويس وأصبح هناك خطر يتهدد احتكار بريطانيا لطريق الهند، وفي 1875 اشترت بريطانيا نصيب مصر من أسهم قناة السويس، وبذلك أصبحت لها مصلحة مادية في مصر، ونفوذ على الحكومة المصرية بجانب نفوذ فرنسا، وحينما تولى عرابي باشا حكومة مصر وجدت بريطانيا الفرصة سانحة لكي تضع قدمها في مصر، فادعت حماية الخديو توفيق، وفي الوقت ذاته كفت فرنسا يدها تماما عن مصر. وفي 1881 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وحينما نشبت ثورة المهدي في السودان وسقطت الخرطوم 1885، دخلت بريطانيا مع مصر السودان مرة أخرى 1899، وأعلن قيام الحكم الثنائي، وبذلك سيطرت بريطانيا على حوض النيل بعد أن كانت قد أعلنت الحماية على أوغندا 1894.
وفي شرق أفريقيا احتلت بريطانيا الصومال 1884، وبينما استولت شركة شرق أفريقيا البريطانية على كينيا من سلطان زنجبار 1887، ثم أعلنت كينيا مستعمرة للتاج عام 1895، وبذلك تم لبريطانيا ربط جنوب السودان وأوغندا بكينيا والمحيط الهندي. ولكن وجود الألمان في تنجانيقا كان العقبة الوحيدة التي تقف أمام حلم بريطانيا؛ طريق الكاب-القاهرة. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى انتدبت بريطانيا لإدارة تنجانيقا، وبذلك تحقق حلمها الكبير وامتدت الأملاك البريطانية في محور شمالي جنوبي على طول القسم الشرقي من القارة.
أما في غرب أفريقيا، فإن الممتلكات البريطانية لم تتصل بعضها بالبعض الآخر، بل ظلت وحدات منفصلة لكل جبهة بحرية ضيقة على خليج غانا وامتداد كبير للداخل، ويرجع ذلك إلى أن غرب أفريقيا قد ظل لفترة طويلة، خاصة خلال القرنين السابع والثامن عشر، من أهم مناطق استيراد الرقيق إلى القارة الأمريكية، ولعبت فيه الدول الأوروبية أدوارا كبيرة من أجل هذه التجارة المربحة والمشينة، وكان لكل دولة قلعة أو أكثر على طول هذا الشاطئ تمارس منه عملياتها هذه، كانت هناك البرتغال وهولندا وبريطانيا وفرنسا، وكثيرا ما كانت هذه القلاع تقع في أيدي إحدى الدول، ثم تسقط في يد الأخرى وهكذا.
وحينما انتهت تجارة الرقيق أخذت الدول الأوروبية في التوسع داخل غرب القارة مبتدئة من هذه القلاع الشاطئية.
وفي 1886 أعلنت بريطانيا منطقة لاجوس مستعمرة بريطانية، وبالتدريج ظلت بريطانيا تتوسع على شواطئ دلتا النيجر (1893) وإلى الداخل، حتى تمكنت من هزيمة سلطنة الفولاني ووصلت إلى بحيرة تشاد (1900)، وظهر إلى الوجود عام 1914 مستعمرة نيجيريا التي ضم إليها في سنة 1922 القسم الغربي من الكمرون.
وفي ساحل الذهب (غانا الحالية) طرد الإنجليز البرتغاليين في القرن السابع عشر، ولكن المنطقة تركت مرة أخرى، وفي 1683 أنشأ البروسيون قلعة «فردريكسبورج» ثم باعوها للهولنديين 1717، وفي منتصف القرن الثامن عشر كانت هناك مستعمرات إنجليزية وهولندية ودنمركية على طول الساحل. وفي 1874 أعلنت بريطانيا الحماية على ساحل الذهب، ثم أخذت تتوسع في الداخل فضمت إقليم الاشانتي 1896 بعد حروب طويلة والإقليم الشمالي 1901، وفي 1919 بعد سقوط ألمانيا ضمت بريطانيا القسم الغربي من مستعمرة توجو إلى غانا.
وفي 1843 أعلنت بريطانيا تحويل جامبيا إلى مستعمرة، وفي 1888 إلى مستعمرة تاج، وفي سيراليون نجد أقدم مستعمرات بريطانيا؛ ففي 1787 أصبحت المنطقة منطقة نفوذ بريطانية لتوطين الرقيق المحررين، وأنشأت لذلك مدينة فريتاون، وفي 1808 أعلنت سيراليون مستعمرة للتاج، وفي 1896 أعلنت الحماية على الأقاليم الداخلية، وفي 1898 قامت ثورة كبيرة قتل فيها حوالي ألف إنجليزي، وفي 1911 خططت الحدود مع ليبيريا بالصورة الحالية.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان لحركات التحرر الأفريقية نصيب كبير في تحديد ورسم مستقبل المستعمرات البريطانية في القارة، وسارعت بريطانيا من ناحيتها بالسماح للدول الأفريقية الجديدة بالدخول في الكمنولث البريطاني، وبالتدريج دخلت معظم المستعمرات البريطانية في أفريقيا إلى حظيرة التجمع البريطاني الكبير، وقد كانت ساحل الذهب هي أول مستعمرة بريطانية تستقل عام 1956، وتدخل حظيرة الكمنولث في 1957 في صورة جمهورية ذات سيادة. ولكن تزايد نفوذ الدول الأفريقية داخل الكمنولث قد أدى إلى قلب ميزان القوى في هذه المجموعة ضد حكومة جنوب أفريقيا العنصرية، مما أدى بها إلى الانسحاب نهائيا من الكمنولث عام 1961، وإعلان جمهورية جنوب أفريقيا، وبقيت داخل جنوب أفريقيا ثلاث محميات بريطانية هي: باستو لاند وسوازي لاند وبتشوانا لاند، وقد أخذت جنوب أفريقيا في محاولة دبلوماسية عام 1965 في تهديد بريطانيا بقطع مواصلاتها إلى هذه المحميات الثلاث، وذلك لكي تضم إليها، ولكن بريطانيا أعطت المحميات استقلالها في أواخر 1966، ولا نعرف بعد مصير هذه الدول التي تقبع داخل حدود الحكومة العنصرية. ومن مشكلات جنوب أفريقيا السياسية المزمنة انتدابها بواسطة الأمم المتحدة لإدارة المستعمرة الألمانية السابقة في جنوب غرب أفريقيا، وتدعي حكومة جنوب أفريقيا الآن أن هذه المستعمرة جزء لا يتجزأ منها، ولا تزال الدول الأفريقية تثير الموضوع في المجالس الدولية، وإن كانت جنوب أفريقيا قد كسبت جولة مؤخرا في هذا النزاع، حينما حكمت محكمة العدل الدولية لصالح جنوب أفريقيا.
وفي الشمال الشرقي أنهت بريطانيا حمايتها لمصر عام 1922 التي أصبحت منذ ذلك التاريخ دولة مستقلة، وفي 1956 خرجت آخر قوات بريطانيا من مصر، وفي السنة ذاتها أعلن استقلال السودان عن بريطانيا، وفي سنة 1960 اختار سكان الصومال البريطاني الاستقلال والانضمام إلى الصومال الإيطالي في صورة دولة صوماليا المستقلة، وفي 1960 أيضا أعلن استقلال نيجيريا، وكان عام 1961 العام الذي شهد مولد أكثر من دولة أفريقية مستقلة عن نطاق الاستعمار البريطاني، في تلك السنة استقل كل شرق أفريقيا وتكونت دول أوغندا وكينيا وتنجانيقا، وفي غرب أفريقيا استقلت سيراليون، وفي 1964 أعلن استقلال نياسا لاند باسم مالاوي، وتلتها روديسيا الشمالية باسم زامبيا، وكذلك جامبيا في غرب أفريقيا، ولم يعد من مستعمرات بريطانيا الآن في أفريقيا على وضعه الدستوري القديم في صورة مستعمرة، سوى روديسيا الجنوبية التي تولت فيها الأقلية البيضاء الحكم رغم إدارة بريطانيا الظاهرية، وما زالت مسألة روديسيا مجالا للبحث بين مجموعة الدول الأفريقية عامة.
Shafi da ba'a sani ba