ففي الجزء الجنوبي نجد قمتين لسقوط المطر متمشيا ذلك مع حركة الشمس الظاهرة، وكلما اتجهنا شمالا تتقارب القمتان حتى تتحدا في الجزء الشمالي في قمة واحدة للمطر تتركز حول يوليو وأغسطس.
وهناك ملاحظة أخرى هي أن أمطار الإقليم السوداني كثيرة، ومع ذلك فإن الزراعة في هذا الإقليم تحتاج إلى مشاريع للري، ولا تقوم بدونها زراعة محاصيل معينة كالمحصولات التجارية، وإن كانت الأمطار كافية لزراعة المحصولات الأفريقية التقليدية غير التجارية.
وربما كان سبب هذه الظاهرة أن الأمطار السودانية تسقط في موسم الحرارة العظمى، ويترتب على هذا كثرة التبخر، وربما كان لهذا التعليل تأييد في حالة إقليم البحر المتوسط، حيث تسقط كمية من الأمطار أقل من أمطار الإقليم السوداني، ومع ذلك فهي كافية للزراعة، ويرجع ذلك إلى أن أمطار إقليم البحر المتوسط تسقط شتاء، حيث توجد أقل فترة من فترات الحرارة والتبخر في السنة، وهناك اتجاه إلى الاعتقاد بأن الإقليم السوداني يتراجع أمام المناخ الصحراوي، وبعبارة أخرى أن الجفاف يزداد باستمرار، وأن أجزاء من إقليم المناخ السوداني تتطور مع مرور الزمن إلى حالة شبه جافة، وفي النهاية ستصل إلى مرحلة الجفاف الصحراوي، وقد يكون الدليل على ذلك زيادة الجفاف في إقليم النوبة، وزيادة هجرة السكان من الشمال إلى الجنوب في السودان الشرقي. كذلك لوحظ أن الرمال التي تأتي بها الرياح الشتوية الشمالية الشرقية في السودان الأوسط والغربي، تطغى على الأطراف الشمالية لإقليم المناخ السوداني وتحولها إلى أقاليم شبه صحراوية، كما لوحظ أن بحيرة تشاد تتأثر تأثرا ملحوظا بهذه الرمال، وهناك كثيرون يؤكدون أن هذه الحالة مجرد طغيان للرمال على أطراف السودان، بالتالي ليس ثمة مجال للقول بتحول مناخي ملحوظ في العالم، أو على الأخص في منطقة التقاء الصحاري بالسودان.
شكل رقم (22): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
والواقع أنه يصعب الإجابة على مثل هذا السؤال؛ نظرا لقلة الأرصاد وقلة المحطات في هذا الإقليم، وصعوبة التكهن بأية تغيرات مناخية؛ لأنها تحدث في فترة زمنية تفوق عشرات ومئات المرات عمر الإنسان.
وفي الحقيقة نلاحظ أن المناخ السوداني المثالي لم ينشأ إلا نتيجة تفاعل حركة الرياح السطحية على المنطقة، فإن تراجع جبهة التقاء الكتل الهوائية الشمالية إلى الشمال في خلال الصيف يهيئ لكتلة الهواء الاستوائية الجنوبية التقدم إلى الشمال وتغطية الإقليم بالأمطار، ولولا ذلك لكان الإقليم السوداني مجرد تتمة جنوبية للنطاق الصحراوي. (ب) المناخ السوداني في هضبة الحبشة
تمثل الهضبة الحبشية نوعا متميزا من المناخ السوداني المثالي، وسبب الاختلاف هو الارتفاع الكبير في هذه الهضبة، ولا شك أن الارتفاع له أثر كبير على خفض درجة الحرارة بمقدار 5°-7°م عن السهول المجاورة، وزيادة كمية المطر الساقطة بالنسبة للسودان الشرقي المجاور. ولا تقتصر أهمية دراسة المطر في الحبشة على الحبشة ذاتها، بل تمتد أهمية مثل هذه الدراسة إلى أقاليم أبعد مثل أجزاء من السودان الأوسط ومصر، أي المنطقة التي يمر فيها النيل بعد التقائه بروافده الحبشية. وأكثر أمطار الحبشة ترجع إلى التقاء تيارات الكتل الهوائية القادمة من المحيطين الأطلنطي والهندي، ويتضح ذلك جليا من مراجعة جبهة التحام هاتين الكتلتين الهوائيتين في الخريطة رقم (12) ورقم (13)، وأكثر المناطق التي تتلقى أمطارا هي الأجزاء الجنوبية الغربية من الهضبة، وأقلها أمطارا الأجزاء الشمالية الشرقية، والكثرة والقلة في هذا المجال ترجعان إلى: (1)
المناطق الجنوبية الغربية هي أول المناطق المرتفعة التي تصطدم بها الرياح المحلية بالأمطار، وبذلك يكون نصيبها من المطر كبير. (2)
أن وجود هذه المنطقة في الجنوب يؤدي إلى طول فصل المطر، في حين أن المناطق الشمالية يقصر فيها فصل المطر كما سبق أن لاحظنا في أمطار الإقليم السوداني عامة.
شكل رقم (23): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر .
Shafi da ba'a sani ba