وعلى الرغم من أن كاجيرا هو منبع النيل، فإن فكتوريا تتلقى روافد نيلية أخرى كثيرة من كل الاتجاهات، إلا أنها كلها أقصر من كاجيرا.
والمخرج الوحيد لبحيرة فكتوريا يقع في الشمال، ومن هذا المخرج يبدأ نيل فكتوريا مساره بسقطتين متتاليتين على مندفعات ريبون وأون، ثم يواصل مسارا قصيرا ليدخل منطقة مستنقعية كبيرة تتوسطها بحيرة كيوجا-كوانيا التي يخرج نيل فكتوريا من طرفها الغربي ليسير مسافة قصيرة أخرى، ثم يسقط بشدة أربعين مترا من سطح هضبة البحيرات إلى الأخدود الغربي في شلال مرشيزون، ليدخل بعده في هدوء إلى بحيرة ألبرت في طرفها الشمالي الشرقي.
وتكون بحيرة ألبرت نقطة تجميع مياه هضبة البحيرات والقسم الشمالي من الأخدود الغربي، فعند شاطئها الجنوبي تدخل مياه نهر السمليكي الذي يصرف مياه بحيرتي إدوارد-جورج وروافد صغيرة أخرى بعضها يصرف المنحدرات الشمالية لبراكين فيرونجا.
ومن الطرف الشمالي من بحيرة ألبرت يخرج نيل ألبرت البطيء الجريان، الذي يتسع في أحيان ليبلغ حجم البحيرات الصغيرة، وعند الحدود السودانية مع أوغندا يلتقي النيل بنهر أسوا، وهو رافد يصرف الجزء الشمالي من هضبة البحيرات، وبعد ذلك يسقط النيل على شلالات فولا ويتخذ اسم بحر الجبل الذي يسير في مجرى متوسط الانحدار في قسمه الجنوبي، ثم يلقي بنفسه في منطقة شاسعة تبلغ مساحتها قرابة مائة ألف كيلومتر مربع: منطقة السدود التي لا يكاد يسير الماء فيها إلا قوة تدافع الماء من الجنوب. في هذه المنطقة آلاف المسارات المائية وآلاف الجزر النباتية العائمة، وآلاف المخارج والمداخل للنهر بحيث يمكن للإنسان أن يفقد طريقه بسهولة لا مزيد عليها، ومن هذه المستنقعات التي لا حصر لها ينبع رافد صغير هو بحر الزراف، الذي يعود فيلتقي بالنيل الأبيض قرب التقائه بالسوباط، وينتهي بحر الجبل ببحيرة «نو» التي تجمع مياه الجنوب بمياه بحر الغزال، الذي يصرف مياه الهضبة الحديدية، التي تفصل بين حوضي النيل والكنغو، كما يجمع أيضا مياه جنوب دارفور وجنوب غرب كردفان.
ومن بحيرة «نو» يبدأ النيل الأبيض متجها إلى الشرق حتى التقائه بالسوباط أول الروافد الحبشية، وهنا ينحرف النيل إلى الشمال حتى الخرطوم في مسار واسع تكتنف أجزاء منه المستنقعات والجزر الطويلة، وعند الخرطوم يلتقي النيل بأهم روافده: النيل الأزرق - الأزرق بمعنى الداكن لكثرة ما يحمله من طمي - الذي يصرف مساحة كبيرة من الهضبة الحبشية، ويعتبر المنبع الهام الثاني للنيل بعد منبعه من هضبة البحيرات، ولولا النيل الأزرق لما استطاع النيل أن يكون نهرا دائم الجريان في النوبة ومصر، ولا أدل على ذلك من أن تصريف هذا الرافد الحبشي يبلغ في ذروة الفيضان في أغسطس قرابة 7600 متر مكعب في الثانية، يهبط بعدها إلى 180 مترا مكعبا في الثانية قبل موسم الفيضان، وفي الوقت ذاته يبلغ تصريف النيل الأبيض عند الخرطوم 1040 مترا مكعبا في الثانية في نهاية موسم المطر، يهبط بعدها إلى 380 مترا مكعبا في نهاية الفصل الجاف.
وعلى بعد 300 كيلومتر من الخرطوم يلتقي النيل بآخر رافد له: العطبرة الذي ينبع من شمال هضبة الحبشة، ويبلغ تصرفه 2000 متر مكعب في الثانية وقت الفيضان، بينما يكاد لا يكون به ماء جار في موسم الجفاف. بعد العطبرة يخترق النيل 2500 كيلومتر وسط صحراء تعد من أجف وأقحل صحراوات العالم حتى ينتهي إلى البحر، والحقيقة أن استمرار سريان الماء في النيل هذه المسافة الهائلة دون روافد ودون أمطار يعد معجزة حقيقية لا مثيل لها، ولا شك أن النيل يفقد الكثير من مياهه بالبخر والتسرب عبر هذه المسافة الشاسعة، فتصرف النيل الأبيض والأزرق والعطبرة مجتمعين في سبتمبر يساوي قرابة 10000 متر مكعب في الثانية، يصل منها مصر 7600 متر مكعب في الثانية، ويهبط هذا الرقم في أوقات التحاريق إلى 530 مترا مكعبا في الثانية فقط.
والنيل النوبي من الخرطوم إلى أسوان يتخذ مسارا معقدا نتيجة ظروف التركيب الصخري والتضاريسي، وهو في الحقيقة يكاد يرسم شكل
S
الإفرنجية، مارا بعقبات ملاحية عديدة تسمى شلالات، ولكنها في الواقع الجنادل الستة المعروفة «أسوان - حلفا - دلجو - مروي - بربر - سبلوكه»، وهذه الجنادل عبارة عن صخور جرانيتية صلبة تعترض مسار النهر، مما يجعل النهر يتخذ عشرات المسالك الصغيرة حولها في مسافات تتراوح بين بضع كيلومترات وعشرات الكيلومترات، ونستثني من ذلك سبلوكه الذي يتخذ شكل خانق صخري، ظروف تكوينه لم يقطع فيها برأي حتى الآن.
وبعد أسوان لا تعود العقبات تعترض النهر، وتهدأ سرعة جريانه - باستثناء منطقة جبل السلسلة - ويتجه النهر إلى الشمال فيما عدا ثنية قنا، وبعد القاهرة بقليل يتفرع النهر إلى فرعيه دمياط ورشيد ليكون دلتا صغيرة جدا، بالقياس إلى الحجم العملاق الذي يصل إليه هذا النهر العظيم طولا ومساحة.
Shafi da ba'a sani ba