كل عقل إلهى فإنه يعلم الأشياء بأنه عقل، ويدبرها بأنه إلهى. وذلك أن خاصة العقل العلم؛ وإنما تمامه وكما له بأن يكون عالما. والمدبر هو الإله تبارك وتعالى، لأنه يملأ الأشياء من الخيرات. والعقل هو أول مبتدع، وهو أكثر تشبها بالإله تعالى؛ فمن أجل ذلك صار يدبر الأشياء التى تحته. وكما أن الإله — تبارك وتعالى — يفيض الخير على الأشياء، كذلك العقل يفيض العلم على الأشياء التى تحته. غير أنه وإن كان العقل يدبر الأشياء التى تحته، فإن الله تبارك وتعالى يتقدم العقل بالتدبير، ويدبر الأشياء تدبيرا أعلى وأرفع من تدبير العقل لأنه هو الذى أعطى العقل التدبير. والدليل على ذلك أن الأشياء التى لا ينالها تدبير العقل فقد ينالها تدبير مبدع العقل، وذلك أنه لا يفوت تدبيره شىء من الأشياء ألبتة، لأنه يريد أن ينيل خيره جميع الأشياء كلها. وذلك أنه ليس كل شىء يشتاق إلى العقل ولا يحرص على نيله، والأشياء كلها تشتاق إلى الخير 〈من الأول〉 وتحرص على نيله حرصا وافرا، لا يشك فى ذلك شاك.
[chapter 23] ٢٣ — باب آخر
العلة الأولى موجودة فى الأشياء كلها 〈على ترتيب واحد، لكن الأشياء كلها لا توجد فى العلة الأولى على ترتيب واحد. وذلك أنه وإن كانت العلة الأولى موجودة فى الأشياء كلها〉، فإن كل واحد من الأشياء يقبلها على نحو قوته، وذلك أن من الأشياء ما يقبلها قبولا وحدانيا، ومنها ما يقبلها قبولا متكثرا، ومنها ما يقبلها قبولا دهريا، ومنها ما يقبلها قبولا زمانيا، ومنها ما يقبلها قبولا روحانيا، ومنها ما يقبلها قبولا جرميا. وإنما صار اختلاف القبول لا من أجل العلة الأولى، لكن من قبل القابل. وذلك أن القابل يختلف، فلذلك صار القبول مختلفا أيضا. فأما المفيض فإنه واحد غير مختلف، يفيض على جميع الأشياء الخيرات بالسواء، فإن الخير يفيض على جميع الأشياء من العلة الأولى بالسواء. فالأشياء إذن هى علة اختلاف فيضان 〈الخير على〉 الأشياء. فلا محالة إذن أنه لا توجد الأشياء كلها فى العلة الأولى بنوع واحد.
Shafi 24