وأما الخير الأول فإنه يفيض الخيرات على الأشياء كلها فيضا واحدا؛ إلا أن كل واحد من الأشياء يقبل من ذلك الفيضان على نحو كونه وأنيته. والخير الأول إنما صار يفيض الخيرات على الأشياء كلها بنوع واحد، لأنه إنما هو خير بأنيته وهويته وقوته بأنه خير، والخير والهوية شىء واحد. فكما صارت الهوية الأولى هوية وخيرا نوعا واحدا، صارت تفيض الخير على الأشياء فيضانا واحدا، ولا تفيض على بعض الأشياء أقل وعلى بعضها أكثر، وإنما اختلفت الخيرات والفضائل من تلقاء القابل. وذلك أن القوابل للخيرات لا تقبل الخيرات بالسواء، بل بعضها يقبل أكثر من بعض، 〈وذلك من أجل عظم جودها〉.
ونعود فنقول: إن كل فاعل يفعل بأنيته فقط فليس بينه وبين مفعوله وصلة ولا شىء آخر متوسط. وإنما كانت الوصلة بين الفاعل والمفعول زيادة على الأنية؛ أعنى أنه إذا كان الفاعل والمفعول بآلة ولا يفعل بأنيته وببعض صفاته، وكانت أنيته مركبة — فذلك الفاعل يفعل بوصلة بينه وبين مفعوله ويكون حد الفاعل مباينا لفعله ولا يدبره تدبيرا صحيحا ولا مستقصيا. فأما الفاعل الذى ليس بينه وبين فعله وصلة ألبتة — فذلك الفاعل فاعل حقا ومدبر حقا يفعل الأشياء بغاية الإحكام الذى لا يمكن أن يكون من ورائه إحكام آخر، ويدبر فعله بغاية التدبير، وذلك أنه يدبر الشىء بالنوع الذى يفعل، وإنما يفعل بهويته 〈فبهويته〉 أيضا يدبر. من أجل ذلك صار يدبر ويفعل بغاية الفعل والتدبير الذى لا اختلاف فيه ولا اعوجاج.
وإنما اختلفت الأفاعيل والتدبير من قبل العلل الأولى 〈بحسب استحقاق القابل〉.
Shafi 21