وأفهامهم دلّ على أَنه نزل من عِنْد الله وَأَنه هُوَ الَّذِي أعجزهم عَن الْوُقُوف عَلَيْهِ
الشُّبْهَة الْخَامِسَة وَدفعهَا
يَقُولُونَ إِن النَّاظر فِي موقف السّلف وَالْخلف من الْمُتَشَابه يجْزم بِأَنَّهُم جَمِيعًا مؤولون لأَنهم اشْتَركُوا فِي صرف الْأَلْفَاظ المتشابهات عَن ظواهرها وصرفها عَن ظواهرها تَأْوِيل لَهَا لَا محَالة وَإِذا كَانُوا جَمِيعًا مؤولين فقد وَقَعُوا جَمِيعًا فِيمَا نهى الله عَنهُ وَهُوَ اتِّبَاع المتشابهات بالتأويل إِذْ وصف الله سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ بِأَن فِي قُلُوبهم زيغا فَقَالَ فِي الْآيَة السَّابِقَة ﴿فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله﴾ وندفع هَذِه الشُّبْهَة بِأُمُور
أَولا بِأَن القَوْل إِن السّلف وَالْخلف مجمعون على تَأْوِيل الْمُتَشَابه قَول لَهُ وَجه من الصِّحَّة لَكِن بِحَسب الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَو مَا يقرب من الْمَعْنى اللّغَوِيّ أما بِحَسب الِاصْطِلَاح السائد فَلَا لِأَن السّلف وَإِن وافقوا الْخلف فِي التَّأْوِيل فقد خالفوهم فِي تعْيين الْمَعْنى المُرَاد بِاللَّفْظِ بعد صرفه عَن ظَاهره وذهبوا إِلَى التَّفْوِيض الْمَحْض بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا التَّعْيِين أما الْخلف فَرَكبُوا متن التَّأْوِيل إِلَى هَذَا التَّعْيِين كَمَا سبق
ثَانِيًا إِن القَوْل بِأَن السّلف وَالْخلف جَمِيعًا وَقَعُوا بتصرفهم السَّابِق فِيمَا نهى الله تَعَالَى عَنهُ قَول خاطىء واستدلالهم عَلَيْهِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة اسْتِدْلَال فَاسد لِأَن النَّهْي فِيهَا إِنَّمَا هُوَ عَن التَّأْوِيل الآثم الناشيء عَن الزيغ وَاتِّبَاع الْهوى بِقَرِينَة قَوْله سُبْحَانَهُ وَأما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ أَي ميل عَن الاسْتقَامَة وَالْحجّة إِلَى الْهوى والشهوة أما التَّأْوِيل الْقَائِم على تحكيم الْبَرَاهِين القاطعة وَاتِّبَاع الْهِدَايَة فَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل الَّذِي حظره الله تَعَالَى وَحرمه
وَكَيف ينهانا عَنهُ وَقد أمرنَا بِهِ ضمنا بِإِيجَاب رد المتشابهات إِلَى المحكمات إِذْ جعل هَذِه المحكمات هن أم الْكتاب على مَا سبق بَيَانه ثمَّ كَيفَ يكون مثل هَذَا التَّأْوِيل الراشد محرما وَقد دَعَا بِهِ الرَّسُول ﷺ لِابْنِ عَبَّاس ﵄ فَقَالَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل
1 / 69