ويحملونهم عَلَيْهِ وَفِي ذَلِك مَا فِيهِ من الإضلال وتمزيق وحدة الْأمة الْأَمر الَّذِي نهى الْقُرْآن عَنهُ وَالَّذِي جعل عمر ﵁ يفعل مَا فعل بصبيغ أَو بِابْن صبيغ وَجعل مَالِكًا يَقُول مَا يَقُول وَيفْعل مَا يفعل بِالَّذِي سَأَلَ عَن الاسْتوَاء وَقد مر بك هَذَا وَذَاكَ
وَلَو أنصف هَؤُلَاءِ لسكتوا عَن الْآيَات وَالْأَخْبَار المتشابهة واكتفوا بتنزيه الله تَعَالَى عَمَّا توهمه ظواهرها من الْحُدُوث ولوازمه ثمَّ فَوضُوا الْأَمر فِي تعْيين مَعَانِيهَا إِلَى الله تَعَالَى وَحده وَبِذَلِك يكونُونَ سلفيين حَقًا لَكِنَّهَا شُبُهَات عرضت لَهُم فِي هَذَا الْمقَام فشوشت حَالهم وبلبلت أفكارهم فلنعرض عَلَيْك شبهها وَالله يتَوَلَّى هدَانَا وهداهم ويجمعنا جَمِيعًا على مَا يحب ويرضاه آمين
الشبهه الأولى وَدفعهَا
يَقُولُونَ إِن القَوْل بِأَن الله تَعَالَى لَا جِهَة لَهُ وَأَنه لَيْسَ فوقا وَلَا تحتا وَلَا يَمِينا وَلَا شمالا إِلَى غير ذَلِك يسْتَلْزم أَن الله غير مَوْجُود أَو هُوَ قَول بِأَن الله غير مَوْجُود فَإِن التجرد من الإتصاف بِهَذِهِ المقابلات جملَة أَمر لَا يوسم بِهِ إِلَّا الْمَعْدُوم وَمن لم يتشرف بشرف الْوُجُود
وندفع هَذِه الشُّبْهَة بِأُمُور
أَولا إِن هَذَا قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَقِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد فَاسد ذَلِك أَن الله تَعَالَى لَيْسَ يشبه خلقه حَتَّى يكون حكمه كحكمهم فِي وجوب أَن يكون فِي جِهَة من الْجِهَات السِّت مَا دَامَ مَوْجُودا فَكيف يُقَاس الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة بِمَا هُوَ مادي ثمَّ كَيفَ يَسْتَوِي الْخَالِق وخلقه فِي جَرَيَان أَحْكَام الْخلق إِن المادي هُوَ الَّذِي يجب أَن يَتَّصِف بِشَيْء من هَذِه المتقابلات وَأَن تكون لَهُ جِهَة من الْجِهَات أما غير المادي فترتفع عَنهُ هَذِه الصِّفَات كلهَا وَلَا يُمكن أَن يكون لَهُ جِهَة من الْجِهَات جَمِيعهَا وَنَظِير ذَلِك لَا بُد أَن يكون لَهُ أحد الوصفين فإمَّا جَاهِل وَإِمَّا عَالم أما الْحجر فَلَا يَتَّصِف بِوَاحِد مِنْهُمَا
1 / 66