الْعَرْش اسْتَوَى) إِن ظَاهر الْآيَة غير مُرَاد لِأَن ذَلِك يَعْنِي حَاجَة الله تَعَالَى إِلَى شَيْء من خلقه وَالله تَعَالَى كَانَ وَلَا عرش وَلَا كرْسِي وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ ﴿الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم﴾ آيَة الْكُرْسِيّ
ثمَّ قَالُوا الاسْتوَاء يَأْتِي فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة بمعان مِنْهَا الْعُلُوّ والصعود والاستيلاء والانتهاء وَغير ذَلِك وَيَقُولُونَ أخيرا إِن الصعُود على الْعَرْش من أجل الْجُلُوس عَلَيْهِ لَيْسَ مرَادا لما فِيهِ من التجسيم الْمُبْطل شرعا وعقلا وَاللَّفْظ يحْتَمل مَعَاني عديدة وَالله أعلم بمراده حَقِيقَة فمآل الْخلف إِلَى التَّسْلِيم وَنسبَة معرفَة المُرَاد إِلَى الله تَعَالَى فِي أَخْبَار الصِّفَات
روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ ينزل رَبنَا جلّ وَعلا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الْأَخير فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسأنلي فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ
قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ ابْن حبَان ﵁ صِفَات الله جلّ وَعلا لَا تكيف وَلَا تقاس إِلَى صِفَات المخلوقين فَكَمَا أَن الله جلّ وَعلا مُتَكَلم من غير الة بأسنان ولهوات ولسان وشفة كالمخلوقين جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن مثل هَذَا وأشباهه وَلم يجز أَن يُقَاس كَلَامه إِلَى كلامنا لِأَن كَلَام المخلوقين لَا يُوجد إِلَّا بآلات وَالله جلّ وَعلا يتَكَلَّم كَمَا يَشَاء بِلَا آلَة وَيسمع من غير أذن وصماخين والتواء وغضاريف فِيهَا بل يسمع كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة كَذَلِك ينزل بِلَا آلَة وَلَا تحرّك وَلَا انْتِقَال من مَكَان إِلَى مَكَان وَكَذَلِكَ السّمع وَالْبَصَر فَكَمَا لم يجز أَن يُقَال إِن الله يبصر كبصرنا بالأشفار والحدق وَالْبَيَاض بل يبصر كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة وَكَذَلِكَ ينزل كَيفَ يَشَاء بِلَا آلَة من غير أَن يُقَاس نُزُوله إِلَى نزُول المخلوقين كَمَا يكيف نزولهم جلّ رَبنَا وتقدس من أَن يشبه صِفَاته بِشَيْء من صِفَات المخلوقين
وَقَالَ ابْن حزم عِنْد قَوْله تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ قَول الله تَعَالَى يجب حمله على ظَاهره مَا لم يمْنَع من حمله على ظَاهره نَص آخر أَو إِجْمَاع أَو ضَرُورَة
1 / 50