وما كدت ألحظ مشابهة هذه المرأة لعشيقتي حتى اجتاحت دماغي فكرة فظيعة لم أجد بدا من تنفيذها.
وكانت خليلتي في أوائل عهد غرامنا تأتي خلسة إلى غرفتي للاجتماع بي، فكنت أملأ هذه الغرفة أزهارا، وأضرم النار في الموقد، وأعد العشاء، ولا أغفل عن تزيين السرير وإعداده للحبيبة المنتظرة.
ولكم شخصت إلى هذه الحبيبة الساعات الطوال وهي جالسة على المقعد أمام المرآة، وكلانا صامت يناجي الآخر بخفقان فؤاده! فكنت أراها كملكة من عالم الجن تحول إلى جنة هذا المسكن الصغير حيث أرقت كثيرا من الدموع، ولكم تألقت بروعة جمالها بين هذه الجدران الأربعة الحزينة، والرياش القديم، وقد تبعثرت حولها كتبي وأثوابي!
وكان تذكار هذه الليالي لا يفارقني لحظة منذ فقدت بهجتها، فكانت كتبي وجدراني تناجيني بهذه الذكرى وأنا مسهد مفجوع؛ فتزهقني حتى أذهب هاربا منها إلى الشارع نافرا من سريري الذي لم أكن ألجأ إليه إلا لأذرف عليه الدموع.
اقتدت هذه الصبية إلى غرفتي، وأجلستها على المقعد محولا ظهرها نحوي، وأبقيتها هناك وهي نصف عارية، ثم شرعت أرتب كل ما حولي على النمط الذي كنت اخترته في أعمق الليالي ارتساما في خيالي.
إن لذكريات السعادة صورة واحدة تتغلب على سائر صورها، فهي خيال يوم أو ساعة فاقت سواها في جمال المؤثرات، فتبقى كأنها الأنموذج المستقر، ولكل إنسان في حياته ساعة وقف فيها صارخا: اضرب سهما مذهبا في عجلتك الدائرة، أيها الزمان.
وبعد أن تم ترتيب الغرفة طبقا لما ذكرت، أوقدت نارا، وجلست القرفصاء أكرع كأس يأسي حتى الثمالة، وأسبر صميم فؤادي لأشعر بتململه وانقباضه، وكنت أستعيد في ذهني أنشودة تيرولية كانت تتغنى خليلتي بها وهي:
كنت في روض دلالي
زهرة فيها ضرام
أحرق العشق جمالي
Shafi da ba'a sani ba