وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ، خَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ، وَالْإِنْسَانَ بِالتخْلِيقِ، فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَالْإِنْسَانِ لَقَالَ: خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ. وَقَالَ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، فَفَرَّقَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ بِالْوَاوِ الَّذِي هُوَ حَرْفُ الْفَصْلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ خَلْقِهِ، وَقَالَ: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤]، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَمنْ بَعْدِ ذَلِكَ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ١٧١]، وَقَالَ: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ [الأنفال: ٦٨]، وَالسَّبْقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي سَبْقَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَقَالَ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونَ هُوَ بِهِ مُتَكَلِّمًا مُكَلَّمًا دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١]، فَلَوْ كَانَ كَلَامُ اللَّهِ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ وَوُجُودِهِمْ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ مَخْلُوقًا فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا يُوجِبُ إِسقَاطَ مَرْتَبَةِ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إِذَا زَعَمُوا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لِمُوسَى خَلَقَهُ فِي شَجَرَةٍ، أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ مِنْ نَبِيٍّ أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَفْضَلَ مَرْتَبَةً فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مُوسَى
1 / 95