138

فقال له: كأني بك إذا أنا مت تعصر عينيك كالأمة الوكعى، ضعني في حفرتي، وخلني وشأني، وادع الناس إلى البيعة فمن فعل برأسه هكذا فاعمل بسيفك هكذا، وإياكم والتعرض للحجاج بن يوسف، فإنه بنى لكم المنابر وكفاكم القناطر، وقد كان الحجاج قتل سبعين ألف نفس، حتى خضع لهم الأمر.

وحكي عنه: أنه قتل ثلاثين ألف نفس منهم بلا جناية، ولم يكن توقي الحجاج من أحد منهم وحذره كحذره من عمر بن عبدالعزيز لما كان يعلم أنه لا يحمله إن انتهى الأمر إليه، وكان عمر يقول في الحجاج: لو كايدنا به مردة الشياطين لغلبناهم.

* ولما أمر الحجاج بقتل سعيد بن جبير ولى عليه سعيد ضاحكا. فقال الحجاج: ردوه. فقال له: يا شقي، يا أحمق أتضحك وقد أمرت بقتلك؟ قال: أتعجب من حلم الله معك واغترارك بتفضل المهلة، وجسارتك عليه بالعدوان فما أظن أن الله يمكنك بعدي من قتل ولي من أوليائه.

* قال ابن أبي الحليفة: قال سعيد لما ضربت عنقه: أشهد أن لا إله إلا الله، الأولى أجهر، والثانية أخفض، فوقعت الآكلة بعد ذلك في قلب الحجاج فمات ولم يمكنه الله تعالى بعده من قتل أحد من الناس، فخرجت امرأته منكشفة عن الستر تنشد:

اليوم يرحمنا من كان يفزعنا واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا

* وبلغني: أن المعتمد لما قتل أباه إعتل بعده لستة أشهر فلما احتضر كانت والدته جارية تركية تبكي عليه فمد ببصره إليها فقال: يا أمي عاجلنا فعوجلنا.

* أحمد بن معاوية، عن زيد العمي قال: شهدت وفاة هشام بن عبدالملك فسمعت ابن عبدالأعلى يتمثل:

فما سالم عما قليل بسالم .... ولو كثرت حراسه وكتائبه

ومن يك ذا باب شديد وحاجب .... فعما قليل يهجر الباب حاجبه

ويصبح في لحد من الأرض مقصيا .... رهينة باب لم تستر جوانبه

وما كان إلا الدفن حتى تحولت .... إلى غيره حراسه ومواكبه

وأصبح مسرورا به كل كاشح .... واسلمه أحبابه وحبائبه

Shafi 170