جزاء المنعمين المتطولين، فقد جعلك الله وله الحمد تتثبت تحرجًا عند الغضب، وتمتن تطولًا بالنعم، وتستبقي المعروف عند الصنائع، تفضلًا بالعفو، فإني الآن كالذي وجد عليه عبد الملك بن مروان فجفاه واطرحه، ثم دعا به ليسأله عن شيء، فرآه شاحبًا ناحلًا، فقال له: منذ متى اعتللت؟ قال: ما مسني سقم، ولكني جفوت نفسي، إذ جفاني أمير المؤمنين، وآليت ألا أرضى عنها حتى يرضى أمير المؤمنين عني! فأعاده إلى حسن رأيه فيه.
ولن أكف شافعًا في نفسي، ودافعًا براحة رجائي في صدر يأسي، أو ألحق بمشيئة الله شأو رجل من أهل الكوفة دخل على أبي جعفر المنصور، يشفع في مسخوط عليه، فشفعه فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في تقبيل يدك، فإنها أحق يد بالتقبيل، لعلوها في المكارم، وطهورها من المآثم، وإنك يا أمير المؤمنين، لقليل التثريب، كثير الصفح عن الذنوب، فمن أرادك بسوء فجعله الله حصيد سيفك، وطريد خوفك؛ فأُعجب به المنصور وقربه.
ومولانا أيد الله أمره أسجح طباعًا، وأفسح في الفضائل باعًا، ما زال يشرف احترامًا واصطناعًا، ويعرف إحسانًا وإقناعًا، وحق لمن عول على عدله المأمون، وتوسل بفضله المضمون، ثم بنجله المبارك الميمون، أن يجتلي وجه القبول المأمول سافرًا، ويطمئن مقيمًا بما انزعج مسافرًا، فإنما دعا
1 / 47