Icrab Alkur'ani
إعراب القرآن لابن سيده
Nau'ikan
{ولئن أتيت الذين أوتوا الكتب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك} واللام في: ولئن، هي التي تؤذن بقسم محذوف متقدم. فقد اجتمع القسم المتقدم المحذوف، والشرط متأخر عنه، فالجواب للقسم وهو قوله: {ما تبعوا}، ولذلك لم تدخله الفاء. وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، وهو منفي بما ماضي الفعل مستقبل. المعنى: أي ما يتبعون قبلتك، لأن الشرط قيد في الجملة، والشرط مستقبل، فوجب أن يكون مضمون الجملة مستقبلا، ضرورة أن المستقبل لا يكون شرطا في الماضي. ونظير هذا التركيب في المثبت قوله تعالى: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون}(الروم: 51)}، التقدير: ليظلن أوقع الماضي المقرون باللام جوابا للقسم المحذوف، ولذلك دخلت عليه اللام موقع المستقبل، فهو ماض من حيث اللفظ، مستقبل من حيث المعنى، لأن الشرط قيد فيه، كما ذكرنا. وجواب الشرط في الآيتين محذوف، سد مسده جواب القسم، ولذلك أتى فعل الشرط ماضيا في اللفظ، لأنه إذا كان الجواب محذوفا، وجب مضي فعل الشرط لفظا، إلا في ضرورة الشعر، فقد يأتي مضارعا. وذهب الفراء إلى أن إن هنا بمعنى لو، ولذلك كانت ما في الجواب، فجعل ما تبعوا جوابا لإن، لأن إن بمعنى لو، فكما أن لو تجاب بما، كذلك أجيبت إن التي بمعنى لو، وإن كان إن إذا لم يكن بمعنى لو، لم يكن جوابها مصدرا بما، بل لا بد من الفاء. تقول: إن تزرني فما أزورك، ولا يجوز: ما أزورك. وعلى هذا يكون جواب القسم محذوفا لدلالة جواب إن عليه. وهذا الذي قاله الفراء هو بناء على مذهبه أن القسم إذا تقدم على الشرط، جاز أن يكون الجواب للشرط دون القسم. وليس هذا مذهب البصريين، بل الجواب يكون للقسم بشرطه المذكور في النحو. واستعمال إن بمعنى لو قليل، فلا ينبغي أن يحمل على ذلك، إذا ساغ إقرارها على أصل وضعها. وقال ابن عطية: وجاء جواب لئن كجواب لو، وهي ضدها في أن لو تطلب المضي والوقوع، وإن تطلب الاستقبال، لأنهما جميعا يترتب قبلهما القسم. فالجواب إنما هو للقسم، لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر، هذا قول سيبويه. انتهى كلامه.
وهذا الكلام فيه تثبيج وعدم نص على المراد، لأن أوله يقتضي أن الجواب لإن، وقوله بعد: فالجواب إنما هو للقسم، يدل على أن الجواب ليس لإن، والتعليل بعد بقوله، لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر، لا يصلح أن يعلل به قوله: فالجواب إنما هو للقسم، بل يصح أن يكون تعليلا،لأن الجواب لإن، وأجريت في ذلك مجرى لو. وأما قوله: هذا قول سيبويه، فليس في كتاب سيبويه، إلا أن ما تبعوا جواب القسم، ووضع فيه الماضي موضع المستقبل. قال سيبويه : وقالوا لئن فعلت ما فعل، يريد معنى ما هو فاعل وما يفعل. وقال أيضا. وقال تعالى: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}(فاطر: 41)}: أي ما يمسكهما. وقال بعض الناس: كل واحدة من: لئن ولو، تقوم مقام الأخرى، ويجاب بما يجاب به، ومنه: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا}(الروم: 51)}، لأن معناه: ولو أرسلنا ريحا. وكذلك لو يجاب جواب لئن، كقولك: لو أحسنت إلي أحسن إليك، هذا قول الأخفش والفراء والزجاج. وقال سيبويه: لا يجاب إحداهما بجواب الأخرى، لأن معناهما مختلف، وقدر الفعل الماضي الذي وقع بعد لئن بمعنى الاستقبال، تقديره: لا يتبعون، وليظلن. انتهى كلامه.
وتلخص من هذا كله أن في قوله: {ما تبعوا} قولين: أحدهما: أنها جواب قسم محذوف، وهو قول سيبويه. والثاني: أن ذلك جواب إن لإجرائها مجرى لو، وهو قول الأخفش والفراء والزجاج.
{ومآ أنت بتابع قبلتهم}. هذه الجملة أبلغ في النفي من حيث كانت اسمية تكرر فيها الاسم مرتين، ومن حيث أكد النفي بالباء في قوله: {بتابع}، وهي مستأنفة معطوفة على الكلام قبلها، لا على الجواب وحده، إذ لا يحل محله، لأن نفي تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيدا في نفي تبعيته قبلتهم.
Shafi 316