الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ وَالرِّوَايَاتِ وَالْأَمْثَالِ، زَيْنُ (^١) الأَدِيبِ وَعُمْدَةُ اللَّبِيبِ، وَعَوْنُ الْمُحَدِّثِ وَذُخْرُ الْأَرِيبِ (^٢)، يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمَلِكُ وَالْوَزِيرُ، وَالْقَائِدُ الْبَصِيرُ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ عَزَّ (^٣) أَمْرُهُمْ؛ أَمَّا الْمَلِكُ فَيَعْتَبِرُ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّوَلِ وَمَنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ، وَأَمَّا الْوَزِيرُ فَيَعْتَبِرُ بِفِعَالِ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ حَازَ فَضْلَيْ السَّيْفِ وَالْقَلَمِ، وَأَمَّا قَائِدُ الْجُيُوشِ فَيَطَّلِعُ بِهِ عَلَى مَكَائِدِ الْحَرْبِ وَمَوَاقِفِ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَسْتَمِعُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَامَرَةِ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ بِذَلِكَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ، وَالِاجْتِنَابُ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ.
وَلِأَجْلِ هَذَا قَالُوا: يَجِبُ عَلَى المَلِكِ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَيَعْمَلَ عَمَلَهُمْ فِي الْخَيْرِ - (يَعْنِي) (^٤) لَا فِيمَا عَلَيْهِ تَنَدَّمُوا- وَأَنْ يَقْرَأَ كُتُبَ مَوَاعِظِهِمْ وَوَصَايَاهُمْ، وَيَنْظُرَ أَحْكَامَهُمْ وَقَضَايَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ تَجْرِبَةً وَاعْتِبَارًا، وَأَبْصَرُ غَالِبًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ سِرًّا وَجِهَارًا (^٥) لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَعَرَفَ الْجَلِيَّ مِنَ الْخَفِيِّ. وَقَدْ كَانَ أَنُوشِرْوَانَ، مَعَ حُسْنِ سِيرَتِهِ، يَقْرَأَ كُتُبَ الْأَوَّلِينَ، وَيَطَلُبُ اسْتِمَاعَ حِكَايَاتِهِمْ، وَيَمْضِي عَلَى طَرِيقَتِهِمْ.
فَإِذًا لَا غَنَاءَ عَنِ التَّارِيخِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِشَأْنِهِ، وَيُكْتَبَ وَيُنْقَلَ مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْمُجَازَفَةِ وَالرَّجْمِ بِالْغَيْبِ، بَلْ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ.