Icjaz Alkur'ani
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية
Mai Buga Littafi
دار الكتاب العربي
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Ilmin Alkur’ani
وهي لم تكن تلتئم على ألسنتهم من قبل؛ بيدَ أن الزمان قد كشف بعدهم عن هذا المعنى، وجاء به دليلًا
بينًا منه على أن القرآن كتاب الدهر كله؛ وكم للدهر من أدلة على هذه الحقيقة ما تبرح قائمة؛ فعلمنا من صَنيع العلماء أن القرآن نزل بتلك المعاني، ليخرج للأمة من كل معنى علمًا برأسِه، ثم
يعمل الزمن عمله فتخرج الأمة من كل علم فروعًا، ومن كل فرع فنونًا إلى ما يستوفى في هذا
الباب على الوجه الذي انتهت إليه العلوم في الحضارة الإسلامية؛ وكان سببًا في هذه النشأة الحديثة من بعد أن استدار الزمان وذهبت الدنيا مُستدبرة وأنشأ الله القرونَ والأجيالَ لتبلغ هذه الحادثة أجلَها ويتناهى بها القضاء وإن من شيء إلا عند الله خزائنه، ولكنه ﷾ يقول:
(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) .
ولقد كانت النهضة العلمية في زمن بني أمية قائمة بأكثر العلوم الإسلامية التي مرَّت الإشارة إليها، حتى امتهد أبو جعفر المنصور؛ ثم الرشيد من بعده للنهضة العباسية الكبرى التي نثات من
جمع كلمة أهل الفقه والحديث بعد انشقاقهم زمنًا وافتراق الكلمة بينهم - ومن إقبال الناس على الطلب والاستيعاب؛ فكان ذلك تهيئة لانشقاق علوم الفلسفة والكلام وما إليها وظهور أهلها
وانحياز السنة عنها جانبًا، ثم اجتماعها على مناظرتها؛ فإن المنصور لما حج في سنة ١٦٣ هـ
لقيه مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه بمنى على ميعاد، بعد الذي كان مما أنزل به جعفرُ بن سليمان عامل المنصور على المدينة من الضرب بالسوط وانتهاك الحرمة وإزالة الهيبة،
قال مالك ﵀: (ثم فاتحني (يعني المنصور) فيمن مضى من السلفِ والعلماء، فوجدته أعلَم الناس بالناس؛ ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه وأعرفَهم بما اختلفوا
فيه، حافظًا لما روى، واعيًا لما سمع، ثم قال لي: يا أبا عبد الله، ضع هذا العلم ودون منه كتبًا،
وتجنَّب شدائدَ عبد الله بن عمر، ورُخَصَ عبد الله بن عباس، وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمةُ والصحابة رضي الله تعالى عنهم، لنحمل الناس إن شاء الله
على علمك وكتبك، ونبثُّها في الأمصار، ونعهدَ إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها.
فقلت: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في علمهم رأينا.
فقال أبو جعفر: " يُحمَلون عليه وتُضرب عليه هاماتُهم بالسيف وتُقطَع ظهورهم بالسياط!! فتعجل بذلك وضَعها،
فسيأتيك محمد ابني (المهدي) العامَ القابل إن شاء الله إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغتَ من ذلك إن شاء الله! ".
1 / 85