وقد يوجد الثاني دون الأول بأن سافر الآفاقي إلى المدينة بقصد الزيارة ، فاذا وصل إلى المدينة عرض له عائق أو أرضى عن الحضور حضرة قبر الرسول وزيارته ، فبين الأمرين عموم وخصوص من وجه تحققا .
إذا عرفت هذا فنقول : السفر إلى المدينة وشد الرحال إليهما بقصد المسجد النبوي جاء بالاتفاق ، حتى أن من حرم سفر الزيارة أجازه أيضا ؛ لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك ، السفر إلى المدينة بقصد نفس زيارة القبر النبوي اختلف فيه : فينقل عن الجويني وعياض حرمته أخذا من حديث : " لا تشد الرحال" وغيره .
وقام لنصرة الرأي ابن تيمية وتلامذته : ابن القيم ، وابن رجب ، وابن عبد الهاد . وسلكوا في هذا مسلكه ، وحققوا في زعمهم ما حققوه لكن صدق عليهم :
تروح إلى العطار تبغي شبابها
ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر
وقد قام نقاد فن الحديث والفقه لإبطال هذا الرأي ، وجعلوه سخيفا ، ونقضوا دلائل المنكرين ، وجعلوا طريق استدلالهم ضعيفا ، وصنف التقي السبكي في هذه المسألة " شفاء السقام في زيارة خير الأنام" ، فأفاد وأجاد .
وصنف في رده ابن عبد الهاد كتابا سماه " الصارم المنكي على نحر ابن السبكي" ملأه بزوائد مستغني عنها ، وأقوال مردودة قد رد عليها ، ولعمري أنه كتاب نفيس في بابه يشهد بتحر مؤلفه ، لولا ما فيه من دعاوي كاذبة وإعادة إقوال مردودة من دون أن يجيب عن ردها جوابا شافيا ، ويأتي في باب المنع الذي ذهب إليه شيخه دليلا كافيا .
Shafi 71