Ibrahim Katib
إبراهيم الكاتب
Nau'ikan
فابتسم فتانا ساخرا وقال: سبحان من يحيى العظام وهى رميم! ولكني أحسب يوم النشور لا يزال بعيدا، فكيف عدت إلى الحياة قبل الأوان؟
فرفع القروي رأسه فجأة والتفت إلى الفتى التفاتة المغضب وقال: لقد قلت لك إني مت وانتهى الأمر.
فاسترسل فتانا في سخره ولم تزايله ابتسامته: إذا من الراكب على حمارك يا رفيقي؟ أهو عفريتك؟ - عفريتى؟ لالا! لا تخف! أنا أحمد الميت. - ولكن ألا تحدثني كيف حييت مرة أخرى؟ أو من الذي ردك إلى الحياة؟ - لم يردني إلى الحياة أحد. لقد مت وانتهى الأمر.
فحملق الفتى في وجهه وهو مبهوت وكف عن الكلام، وقد دار في نفسه خاطر لم يرتح معه إلى صحبة هذا الرفيق.
وبعد قليل قال أحمد الميت: ليست هذه أول مرة جئتنا فيها؟ - بل هي الأولى.. (ثم بعد قليل) لوددت أني ما جئت!
وسكتا برهة ثم عاد القروي يصل ما انقطع: لقد حسبتك عرفت الدار من طول تحديقك إلى ناحيتها. - وأنى لي برؤيتها وهذا الظلام أكثف من جلد الفيل؟
فضحك القروي ضحكة حفلت بالقرقعة ثم أمسك فجأة وقال: إنكم يا أبناء المدن لم تألفوا النظر في الظلام.
فقال الفتى - وفي صوته مرارة تنم على ما يكاتم من الألم الذي جره عليه نشاط دابته: كلا! لم يرزقنا الله مثلكم عيون القطط.
ثم ساد السكون لحظة أخرى قال القروي بعدها: أحسبك تعرف قصة الباشا المرحوم مع أفندينا؟ - كلا! - إنها قصة ممتعة. لقد شرف أفندينا يومئذ .... - من تعني بأفندينا هذا؟ - أفندينا إسماعيل! لقد شرف يومئذ بلدتنا ولم يكن الباشا قد نال هذه الرتبة، ففرش له الطريق كله بالرمل، ونصب على جانبيه الزينات التي لم نر لا قبلها ولا بعدها إلى الآن، وأقام الأفراح أربعين يوما فسر أفندينا جدا وقال له ساعة هم بالركوب عائدا: إني جعلتك من بيكواتي ويمكنك بعد أن أرجع إلى مصر أن تزورني في أي وقت تشاء لأكافئك على كرم ضيافتك وسخائك في استقبالنا. ومضت سنون بعد ذلك لا أذكر عدها، وفي يوم تذكر البيك كلمة أفندينا فنهض وقال: إني ذاهب إليه من توي. فلما صار في مصر مضي إلى سراي أفندينا وقرع الباب، فقال الخادم: ماذا تبغي؟ فحكى له ما كان، فقال له: «إن إسماعيل مضى وجاء غيره، فعاد وأخبر القرية أن إسماعيل الثاني..». - إسماعيل الثاني؟ أظن يا صاحبي أن في تاريخك خطأ. - كلا! لا خطأ في الرواية، أمن أجل أن كتبكم لا تحوي هذه القصة تكون خطأ؟ وأنا بعد لم أتممها لك ولم أخبرك بما وقع له مع إسماعيل الثالث..». - إن هذا لا يطاق. كلا! لن أحتمل إسماعيل الثالث. ووثب إلى الأرض عن ظهر الدابة وتركها وسط الطريق، ومال إلى حافته اليمنى كأنما أراد أن يجعل بينه وبين رفيقه أطول بعد ممكن. ورأى القروي ذلك فكف عن محادثته، وجعل يقول لنفسة: «ما أغرب هؤلاء الأفندية الذين يجيئون من الأمصار! أما والله لولا أنه يمت بالقرابة إلى الباشا رحمه الله..».
وبلغا البيت، فنهرتهما الكلاب، وأفزع الفتى نباحها وهيئتها الوحشية، فدنا من رفيقه بكرهه، حتى يكاد يدخل في ثيابه فزجرها القروي عنه، وصعد به السلم.
Shafi da ba'a sani ba