Ibrahim Ubangijin Annabawa
إبراهيم أبو الأنبياء
Nau'ikan
ومن الأسباب الحسنة تقرير الحقوق، وإقامة القواعد في المعاملات، وتواضع المختلفين والمؤتلفين على مبادئ الأخذ والعطاء، والذمة والوفاء، وعمل الحاضر للغائب والقريب للبعيد على ثقة واطمئنان.
وليس في وسع أحد أن يزعم أن الحقوق والقواعد التي يتعارف عليها الناس في مدن القوافل تصان في كل صفقة، وتحفظ في كل علاقة، فقد يكون الغش فيها أكثر من الصدق، والخداع فيها أكثر من الأمانة، ولكنها على أسوأ الأحوال ملزمة للمشتركين فيها، لا يجترئ القوي على الجهر بنكرانها والعدوان عليها، سواء كان العدوان على قوي مثله، أو على ضعيف غير مرهوب الذمار.
ومن الأمثلة التاريخية على ذلك حرب الفجار وحلف الفضول في مكة المكرمة، وهي من أكبر مدن القوافل، ومن أعظم النماذج لها في جميع ما ذكرناه.
ففي حرب الفجار أجاز زعيم من هوازن قافلة للنعمان بن المنذر على غير العرف المتفق عليه، اعتزازا بعزته ومنعته، ومكانة النعمان بن المنذر في الأمم العربية، فهاجت لها حرب استمات فيها الفريقان حتى شد بعضهم نفسه بالحبال لكيلا يفر من القتال.
وفي حلف الفضول كان سبب الحلف أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة ، فاشتراها منه العاصي بن وائل، وحبس عنه حقه، فاستعان عليه الزبيدي جماعة من الرؤساء فلم يعينوه، فوقف الرجل على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس، وصاح يطلب الغوث، فمن جراء ذلك اجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وقال أحدهم:
سيعلم من حوالي البيت أنا
أباة الضيم نمنع كل عار
وقال ابن قتيبة: إن قريشا قد سبقها إلى مثل هذا الحلف قبيلة جرهم، فتحالف منهم ثلاثة؛ هم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، وفضل بن الحارث، فسمي لهذا حلف الفضول، وجاءت قريش فسمت حلفها بهذا الاسم؛ لأنه مقصود لما قصده الأحلاف الأولون.
وليس بالقليل ما تعلمته الأمم من إقامة «الحوزة» التي يدين لها الجميع بالرعاية، ويتعودون عندها أن يجعلوا الذمم والعهود في حماية الإله المعبود، ومن الجائز أن تعدد الأرباب، وتناقض الدعاوى في موطن واحد يجاور فيه كل دير نقيضه، قد فتح الأعين على ما وراء ذلك من السخرية والتهافت، ولا سيما أعين الطارئين العابرين من أهل البادية الدارجين على البساطة واجتناب المتناقضات.
أما الأسباب السيئة التي أوجبت قيام الدعوات النبوية في تلك المدن، فهي أسباب قوية كثيرة لم تكن توجد يومئذ في غيرها بهذه القوة وبهذه الكثرة.
Shafi da ba'a sani ba